(2)..
استمر الفتية بالمشي نحو جهة المقابلة للعب بالكرة بعد انزعاجهم من ثرثرة الفتيات. يركل إلياس الكرة نحو ليث بعدما اكتفى من تحديقه باستعجاب حيال البنات. كأنهن لم يرين خاتما في حياتهن أو لم يرين حقيبة في حياتهن او لم يرين حدائق كبيرة في حياتهن او كل شي في حياتهن الا الآن. يكتفي إلياس من التفكير بكلمة "حياتهن" و يغير تفكيره نحو " حياته!". حياة صديقه العابس طوال اليوم...ليث.
-" أما زلت تفكر يا صديقي..!" سأله إلياس و هم بأخذ الكرة من على الأرض و رماه الى بقية الفتية. رفع ليث رأسه ليحدق به و أغمض عينه اليمنى من أشعة الشمس خلف إلياس و عاد ينظر لجهة أخرى.
توجه إلياس نحوه و جلس بجانبه و من ثم وقف لبرهة يفكر. و من ثم عاد يقول :" أما زلت تفكر بها؟!"
حدق بعيني إلياس بغضب ، ثم تنهد باستياء و قال :" أعذرني.." واضعا ذراعيه على ركبتيه شابكا أصابعه.
وقف إلياس لثوانٍ يفكر وهو يحك شعره. ثم قال :" لا تقلق.. سيأتي يوما ستندم على فعلتها..!"
رفع ليث رأسه و نظر نحو زملائه الذين نجحوا في رمي الكرة الى السلة و قرر فجأة الوقوف و وضع يديه في جيبيه و رفع رأسه لينظر نحو السحب و قال :" هل تحب السفر؟!"
-" هممم .. لم أسافر في حياتي الا الى باريس ذات مرة! و لم تكن رحلة ممتعة لأن جدتي لم تكف عن التذمر طوال الرحلة"
أدار ليث رأسه الى الخلف و قال:-" جيد ، ما رأيك أن نذهب الى روما سويا؟! "
-" روما ..همم ..دعني أفكر!!"
-" لا تشترط و الا جعلتك تدفع كل شي .."
ضحك إلياس و وقف بجانبه و وضع ذراعه حول رقبته و قال :" لدينا جدول دراسي هنا.. و لا نعرف معظم الأماكن هنا.."
ابتسم ليث له، وأخرج جدوله من جيبه و قرأ:" القاعة 4-3T.." و قرأ ملاحظة صغيرة قد كتبها بخط يده:" الطابق الثاني في المبنى الثالث."
سحب إلياس الجدول من يده و حدق به :" من أخبرك بموقعه؟!"
-" سألت احدى المعلمين أثناء التسجيل.."
-" أنت حقا رائع ليث .. لا تفوت عنك أدق التفاصيل.."
ابتسم له ليث و قال :" هيا بنا.."
***
توجها ليث و إلياس نحو المكان الذي دونه ليث في جدوله ، بعد ما زاروا عدة قاعات في المبنى الثالث. فلا ننسى وجود مبانٍ أخرى في الجامعة. وقف ليث بجانب أحدى الصفوف و قال :" أخيرا وصلنا .." و لكنه لم يتلقى أي اجابة فتعجب من ذلك فإلياس شخص لا يستطيع غلق فمه. أدار نفسه الى الخلف ليرى إلياس واقفا يلهث من التعب. تنهد ليث و اتجه نحوه قائلا:" هيا! لا تتكاسل ..!"
-"انتظر قليلا ، لقد تعبت من المشي.."
-" عليك ان تعتاد على ذلك ، فستقصد هذا الطريق كل يوم من الآن و صاعدا!"
-" حسنا.. حسنا!" و من ثم رفع رأسه لينظر نحوه و قال بتعجب:" قل لي يا ليث؟! أما زلت تأكل حبوب الذرة بالحليب والبيض كل صباح لتبدو نشيطا كعادتك؟!"
تفاجأ ليث من سؤاله و هم ليسحبه نحو الصف لكنه توقف حين رأى أحدى الفتيه الواقفون يضحك من سؤال إلياس. و حينها تمنى ليث أن يرمي الياس من الدرج الذي بجانبه عن سحبه الى الصف فلقد أفشى إلياس سر وجبته الخطيرة.
حاول الفتى ان يتمالك نفسه من الضحك و قال :" آسف ..!"
لم يعره ليث اهتماما لكن إلياس فعل و سأله :" هل انت من هذا الصف؟! " و أشار نحو صفهم
ابتسم الفتى و أجاب بنعم. رفع إلياس يده ليصافحه و قال بابتسامته العريضة كعادته:" أدعى إلياس و هذا صديقي ليث و نحن من ذلك الصف أيضا!" . رفع الفتى ذو النظارة ذو شعر ناعم أحمر اللون يده ليصافحه و قال:" أدعى سامي .." و مد يده نحو ليث ليصافحه و بقي ليث يفكر بمصافحته أم لا. كعادته يتكاسل في إخراج يده من جيب بنطاله الجينز ، حتى أخرج يده بعد ثوان و صافحه و عاد يضعه الى جيبه.
شرف إلياس نفسه بالسؤال:" لم أنت واقف في الخارج؟ أأجلت محاضرة؟! أليس المدرس هنا؟!"
أجابه ليث بتنهد :" ها قد بدأنا..". فكثيرا ما اندهش زملاء إلياس في المدرسة بخبر قبوله للدراسة في الجامعة. لطالما عرف إلياس بكسله و نومه أثناء الحصص و عناده مع المعلمين. و لكن لا يعلمون أنه بذل أقصى جهده حتى يحصل على هدية وعده جده له و حتى الآن لا أحد يعرف عن هوية الهدية.
ضحك سامي ضحكة مكتومة و قال:" لا .. لكن .. لا أظن أنكما تتجرأن في الدخول الآن .."
-" لماذا؟! " سأله إلياس..
-" الصف مليء بحشد من البنات .."
-" هذا الكلام موجه الى ليث فهو الخجول هنا ، أما أنا.. شاهدوا بأنفسكم!"
-" أوه حقا! " قاله ليث سخرية
لم يكترث له إلياس بل هم مسرعا نحو الصف بكل ثقة وفتح الباب و سرعان ما أغلقه حين رأى نظرات الفتيات له. و عاد مسرعا نحو ليث و هو يضع كفه على صدره:" مخيفات!"
-" لقد شاهدنا بأنفسنا بما يكفي!" قال ليث من دون أن ينظر اليه.
" هل الفتيات مخيفات حقا!.." خرج صوتا من خلفهم جميعــا و كاد الجميع يقفز من الرعب. استدار الجميع إلى الخلف كأنهم يستعدون لمواجهة قوية و يهمون بتقليد الأبطال " الشجعان الثلاثة". فاندهشوا بوجود المعلم عمران أمامهم يبتسم و يكاد عينيه يختفيان من عمق ابتسامته. همس الفتية فيما بينهم:" لقد سمعت عن هذا المعلم، لقد قيل لي انه طيب قلب و يتساهل كثيرا مع الطلبة!" قال سامي.
-" أحقا؟! " قال إلياس
-" لكن تبين لي انه كبير بالسن و لكنه يبدو صغيرا جدا.." همس ليث لسامي.
الفيلم الرعب لم ينتهي بعد ، فأسئلة المرعب لم تنتهي بعد:" من أين سمعتم كل هذا؟! " سأل المعلم ذو وجه الطفولي.
هذه المرة لقد قفز إلياس بالفعل، فلقد تأثر بالفيلم كثيراً.