الجزء الثاني (3)..

(3)..

ابتلع ليث قطعة من قطع اللحم الدائرية الشكل، و هو يقرأ اللافتة التي تصف ما يأكله بالضبط باللغة الانجليزية: " قطع من لحم مُتبلة ببهارات و ليمون الحامض، تجمعها عصا رفيع و تشوى على فحم هادئ " فهذي اللافتة خصصت للسياح فقط! و تناول ليث قطعة أخرى و قال للبائع محاولا أن يهضم قطع اللحم بصعوبة:" لقد .. لقد نسيت أن تكتب أنها بهارات حارة..!"
ضحك البائع العجوز قائلا:" و ما أدراني بذلك.. لقد طلبت من حفيدي أن يكتب هذه اللائحة لي."
-"ما اسمه؟! "
-" إليــاس .." قال الرجل مبتسما..
و رد ليث سائلا : " و أين ذهب الأن؟!"
-" قال انه ذاهبا لشراء بعض من الألعاب الكترونية!"
فكر ليــث في نفسه .. " الياس الغبي! يظن أنني لا أعلم عن أخباره.. فهذا العجوز هو المصدر الأول لأخبارك.."
أدار ليث رأسه و اتكأ على حائط الخشبي الصغير، و شهيته مفتوحة لابتلاع قطع اللحم الحارة. و لم يفكر أبدا أن هذه اللحظة التي يراها الآن أمامه تغير مجرى حياته من جديد. و أعاد إليه ماض الذي حاول جاهدا نسيانه. كان المشهد من الفتاة التي رآها أمامه الآن.. أنها الفتاة التي اختار الجامعة التي يدرسها الآن من أجلها، ليراها أمامه طوال الوقت. الفتاة التي وعدته ان تبقى بجانبه مهما كلفهما الأمر ، الذي بقيا معا طيلة 5 السنوات الماضية. شعر ليث بكيانه فرحة تغمره، فرحة لم يشعر بها منذ زمن طويل. منذ ذلك اليوم الذي توقف عن رؤية أجمل فتاة على الأرض كله بالنسبة له. بل منذ ذلك اليوم الذي طلبت منه ان تتوقف عن رؤيته و التوقف عن محادثته.
-" رؤى..." نطق ليث باسمها و شعر انه نفسه قد يتوقف لبرهة، فمنذ سبعة شهور لم ينطق بهذه الحروف ببن شفتيه.
رؤى كانت تمشي مع مجموعة من الفتيات و هي ترتدي أجمل و أغلى الملابس كعادتها، تميزت برشاقتها و أناقتها التي يميزها دائما بين مجموعة الفتيات. صوت ضحكاتهن العالية تسمع في وسط الازدحام. لم يستطع ليث إبعاد عينيه الليليتين منها، بقي يراقبها كعادته عن بعد حتى ابتعدت عن أنظاره.
" يبدو انك على ما يرام من دوني..." همس ليث لنفسه وحول نظره الى جهة أخرى، و التهم آخر قطعة من اللحم. و حينها لم ينتبه برؤى حين استدارت الى الخلف لتنظر نحوه راجية ان ينظر نحوها.
أدار ليــث رأسه و أوشك أن يطلب قطع أخرى من اللحم و لكنه توقف عن الكلام حين وجد زميلته التي سماها بـ : " التائهة ". استدارات آيــة لدى سماعها هذا اللقب الذي أطلق عليها حديثا بالجامعة و استعدت للاعتراض و لكن شيئا ما أوقفها حين رأت زميلها ليث أمامها.
-" أهــــــذا أنت؟!"
-" مـ .. من؟! نعم .. نعم.."
-" يا لهذا الحظ الرائع..!" قالت آيــة بسعادة
ذهب تفكير ليث الى أبعد حدود و لم يستطع إيقافه و هو يتحدث في نفسه " ما الذي تقصده بالحظ الرائع"
و أكملت آية بسؤالها :" قل لي ما اسمك ..؟ ثانية؟!"
و أكمل ليث حديثه لنفسه ، يبدو ان تفكيري لم يرحل بعيدا فهي لا تذكر اسمي. أحس ليث بأن شيئا ما بلع لسانه و لم يستطع ان ينطق اسمه. " أدعـ .. ادعــ .. ى.. اممم .. ليــ .. ليث... نعم ..ليث..."
-" نعم .. ليث.. .. لقد كنت أبحث عنك..."
-" تبحثين عني؟! "
هزت آية راسها ايجابيا و قالت: " نعم..أتذكر ذلك اليوم الذي اصطدمت بي ..؟!"
-" ما.. ماذا به؟!"
-" لقد سقطت اوراقي و اوراقك على الأرض و قد قمت بجمعها عني .. فأنا لا أجد بعضٍ من أوراقي..فأنا أشك بأنها بين ملفاتك التي كانت معك آنذاك.."
-" بين ملفاتي.. ؟! لكنني .. لست متأكدا.."
-" هلا ذهبت و بحثت عنها من فضلك؟ فأنها مهمة للغاية ، فهي لمشروع ابنة خالي أمل و عليها ان تسلم مشروعها قبل الساعة العاشرة غدا.."
-" أسف حقا لتسبب مثل هذه المشكلات.."
-" لا .. بأس.." قالت آية و كلفت نفسها حينها بابتسامة.
رفع ليث يده نحو شعره الأسود الناعم الذي يصل طوله على رقبته. و بدأ يفكر و هو يحرك شعره بحركة يده قائلا: " لكن.. هذه الملفات ليست معي الآن.."
-" أين هي..؟"
-" لقد وضعتها في ملف واجبات الحاسوب و قد سلمته بالأمس للمعلم.."
شعرت آيــة ان الزمن قد توقف بين كلمات ليث، و تغير ملامحها إلى حزن شديد و كادت تبكي. جلست على رجليها على الأرض مستسلمة.
وقف ليث في مكانه دون حراك عندما رأى آية فاقدة أمل و حاول بطريقة و أخرى أن يساعدها بأي شي كان. و وقف يفكر معها بطريقة لإرجاع هذه الأوراق المفقودة التي يظن انه من أحدى المسببات لفقدها الأوراق. حاول ان يرتب كلماته بجمله مفيدة و قال لها :"ما رأيك ان نذهب الى مكتب المعلم و نطلب منه الملف؟!"
رفعت آيــة رأسها الى الأعلى محدقة بعيني ليث الذي أدار رأسه في جهة أخرى. و فكرت لبرهة و وقفت مكانها و قالت:" هل تظن انه سيكون هناك؟"
-" لســت واثقا ، لكن لا مانع من المحاولة.." قال و محاولا ان يرسم ابتسامة على وجهها.
ابتسمت آية و قالت :" لنذهب.."
***
سلكا ليث و آيــة طرقا عدة ليصلا الى جامعتهم، ليحضرا الملف الذي به الأوراق المفقودة لمشروع أمل ابنة خال آية، و قد سلم ليث ملفه للمعلم شهاب بالأمس من دون ان ينتبه لوجود أوراق أخرى تتعلق بــآية. متأملان بوجود السيد شهاب في الجامعة في هذا الوقت المتأخر.
دخلا غرفة المعلمين من دون أي دليل يحثهما عن مكان المعلم شهاب. سأل ليث إحدى المعلمين الذي كان يتناول وجبة العشاء في مكتبه. و أخبره أن المعلم في المختبر يفحص الحواسيب المعطلة.
توجها نحو المختبر و وجدا المعلم شهاب جالسا في نهاية المختبر، يقرأ إحدى الكتب. استدار ليث إلى الخلف لينظر نحو آية :" هل ستدخلين أم سأدخل أنا..؟"
-" ادخل انت و قل له انك وضعت واجباتك لمادة الإحصاء في ملفك لواجبات الحاسوب بالخطأ.."
هز ليث رأسه ايجابيا وبلل شفتيه و من ثم مد يده ليمسك بمقبض الباب لبرهة فيما استنشق نفسا عميقا و فتح الباب، و تبعته آيــة من خلفه. رفع المعلم شهاب رأسه بنظراته الحادة نحو الطالبين اللذان يبحثان عن الملف. ارتعشا جسمهما خوفا من نظراته، فأنه معلم حاد مزاج و لا يتفاهم بسرعة و كما انه وبخهما الاثنان معا في الأسبوع الماضي.
حاولا ان يتكلفا بابتسامة و لكن المعلم سبقهم بابتسامته الخبيثة: " أنتمـــــا من جديد؟!"
تبادلا ليث و آية نظراتهم بخوف و قد تذكرا هذا الموقف الأسبوع الماضي ، حين أوقفهما المعلم في المكان نفسه وبقي يوبخهما بعذر أنهما هربا من الحصة.
حتى حبس ليث أنفاسه و نطق بأحرفه الأولى :" مرحــ .. مرحبا معلمي.. لقد.. لقد جأنا .. انا و زميلتي.. " و أشار نحو آية التي هزت رأسها ايجابيا عندما ذكرها و أكمل القول :" لأخذ ملفي .. فلقد وضعت واجبات زميلتي لمادة الحساء بالخطأ في ملفي.."
حملقت آية بعينيه و همست :" ليس الحساء بل الإحصاء.." نطر ليث بعينيها و عاد يصحح جملته من جديد.." أقصد واجبات الإحصاء..." و هو يحرك يديه مرتبكا.
وقف الأستاذ شهاب تاركا الكتاب الذي كان يقرأه على الطاولة و اقترب نحوهما خطوة بخطوة. حتى شعرا ليث و آية أن إعصار متوهج قادم ليحسم مصيرهما و ابتلعا ريقهما...
اقترب المعلم و هو يحدق بعينيهما ، ارتبكا و أخفضا رأسهما للأسفل و من ثم اقترب المعلم نحو آية و قرب وجهه الى وجهها و قال :" هل سأصدقه أم لا؟!"
شعرت آية بأن شخص ما رماها على حجر في وسط المحيط و في جو هائج وحيدة و محاطة بأسماك القرش التي تنتظرها لوجبه عشاء لذيذة و لا تستطيع طلب النجدة. حدقت في عيني الأستاذ و رفرفت بعينيها دون ان تتفوه بأي كلمة أخرى.
أظهر الأستاذ ابتسامته الخبيثة مرة أخرى و من ثم غير اتجاه عينيه نحو ليث قائلا:" و ماذا تفعل أوراق مشروع تخرج في ملف طالب ما زال في السنة التأسيسية ؟!"
حدق ليث في عيني معلمه القبطان الشرير ذو عين واحدة و رجل خشبي الذي يهدد البحار ليث بأن يرميه من السياج الخشبي إلى البحر العميق و الموج الهائج و قرش وحشي جائع ينتظر ليلتهمه.
هنيئا لك أيها القرش يبدو انك ستحصل على وجبتين شهيتين اليوم!
أنتظر أيها القرش! ما زلت تحتاج الى التوابل !


  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS
Read Comments

الجزء الثاني (2)

(2) ..
تمشي آيــة بطرقات المدينة و تتساءل نفسها عن سبب تصرف آية و لجين بغرابة. " لا بــأس.. أنا أعلم أن ليــاء و لجين صديقتين مقربتين جدا.. لهذا رفضت ليــاء دعوتي اليوم ، لأن لجين دعتها في الوقت نفسه و بالتـأكيد ستفضل لجين عني..".
أكملت آية طريقها و هي تفكر و تفكر .. " إلى متى سأظل وحيدة هكذا؟!" ..ثم نظرت نحو أحدى الكراسي التي بالحديقة. وامتلأت عينيها بالدموع عندما تذكرت علاء الذي كان يجلس معها دائما بين تلك الكراسي في الحديقة. و بقيت تتأمل به و غرقت في بحر ذكرياتها " لمــاذا فعلت بي هذا؟! لقد علمت أن هناك من أخذك عني؟! من هي يا ترى... سعيدة الحظ؟..".
***
يمر الوقت ، ليــاء و علاء لا يملان من الحديث الطويل. علاء يحكي عن دراسته و مواقفه التي حدثت معه في استراليا و تكمل لياء حديثها أيامها الأولى بالجامعــة وتحاول جاهدة أن لا تتفوه بالمواقف التي بها آية حتى لا تذكر علاء بها. بينما لجين جالسة في أحدى الطاولات بمفردها تستمتع الحديث مع خطيبها في الهاتف.
بعد ان رفعت الأطباق و أحضر لهما الكعك ، اتكأ علاء على ظهر كرسيه و من ثم قال:
-" حبيــبتي .."
-" نعم.. "أجابت ليــاء و هي ترشف جرعة من عصير الفراولة التي تحبه.
-" أنظري خلفك .. نحو ابنة عمك.. تبدو سعيدة جدا؟!" قال علاء مبتسما كعادته.
أدارت ليـاء رأسها الى الخلف لتنظر لجين المتكئة على الكرسي و تلوي شعرها بإصبعها. كأنها في عالم آخر بعيدا عن كل من حولها.
أعادت ليــاء النظر نحو علاء قائلة: " حبيبتي لجين .. أنها لا تكف عن مساعدتي لمقابلتك.."
اقترب علاء نحوها و دقق النظر في عيني لياء اللامعتين بأضواء المطعم. و أمسك بيدي ليــاء التي أحست بحرارة قبضته و دفئه.
" ليتني أستطيع أبقى هكذا.. أمسك بيديك التي تدفئاني من برودة الجو .."
ارتعش جسم لياء من كلمات علاء، و احمرت وجنتيها و حتى حولت نظرها نحو كأس العصير.
أكمل علاء قوله:-" يا لهذا الخدين المحمرتين! "
ضحكت ليــاء خجلا و ضحك علاء من خلفها. قاطعهما رنين هاتف المحمول لليـاء ، القت لياء النظر عليه و ارتجف جسمها خوفا :" أنها أمل!!"
- من الغريب ان تتصل بك؟ هيا ردي عليها..
- لا لن أفعل.. من أفضل أن أغلق النقال..
- لا .. لا تفعلي هذا .. هيا ردي عليها و كوني على ثقة
ترددت ليــاء و الهاتف النقال في يديها اللتان ترتجفان من الخوف.. ضغطت ببطء على زر الرد..
- مر.. مرحبا .. أ.. أم.. أمل..
- أين أنتي يا غبية؟!!
حدقت لياء بخوف نحو عيني علاء .. اشار لها علاء بأن تكمل الحديث..
- في .. في.. مطعم.. البيزا .. مع لجين..
- حسنا اسمعي يا غبية... الأوراق التي سلمتها لوالدي ليست مكملة.. أين أضعت بعضها؟!
- لم أضعها .. لقد .. أعطتني إياها آية كما هي..
ارتبك عـــلاء حين سمع باسم آيــة في شفتي ليــاء ، فعلاء يظن ان ليــاء لا تعلم... بحكايته مع آية..
- لكنها ليست مكملة ..! انه مشروعي الدراسي !! أين أضعتموه؟!
- اتصلي بآية و أساليها... لقد سلمت والدي الأوراق كما أعطتني إياها آية..
و أغلقت أمل السماعة في وجهها من دون أن تقول لها كلمة أخرى..
***
-" كــانت الأوراق مكملة عندما سلمتها للياء.." أجابت آية على أمل بتردد..
- هل أنت متأكدة يا آية؟ لأنها ليست مكملة .. هناك بعض من الأوراق ليست هنا"
- أحقاً؟! لكن .. تذكرت..
- تذكرتي ماذا؟
بقيت آية تفكر لبرهة. و تذكرت انها قد اصطدمت بزميلها في الصف في أسبوع الماضي و أن معظم الأوراق تناثرت على الأرض.
- آيــة .. قولي تذكرتي ماذا؟!
- أمم .. انني ... امم.. قد نسيتها بعضها مع واجباتي الجامعية في الجامعة...
- ماذا تقولين؟! لكن آيــة فتسليم مشروعي غدا الساعة العاشرة.. كما أنني أريد أن أتفقده مع والدي، فهو خبير في الأمور التجارية..
- آسفة .. أسفـــة جدا.. لكن .. سأحاول أن أجد الأوراق قبل الغد.. أعدكِ بذلك...
- حسنا يا عزيزتي .. سأعتمد عليكِ..مع السلامة..
- مع السلامة..

أغلقت آية سماعة هاتفها النقال و يداها ترتجفان خوفا. فأنها ليست على يقين عن مكان الأوراق. و عضت شفتيها الملونتان بحمرة شديدة الاحمرار التي تبرزان بشرتها البيضاء الصافية و هي تفكر عن طريقة لتجد الأوراق الضائعة. و بدأت تحدث نفسها: " في ذلك اليوم الذي أعطتني أمل مشروعها .. أذكر انني اصطدمت بزميلي في الصف.. لا أذكر اسمه .. كل ما أذكره وجهه الخجول.. و حين عاد و قال لي ان بعض من أوراقه قد اختلطت مع أوراقي.. أيعقل؟! أنه هو؟! نعم.. لقد أعطيته بعض من الأوراق متناسية ان بعضها هي أوراق مشروع أمل.."
صفعت خدها الذي تزينها شامتين بالكاد تبينان. " يا لي من بلهاء؟! كيف لي أن أجده الآن؟! "
بدأت تقدم خطواتها نحو السوق الذي أمامها و هي تفكر و رفعت رأسها لتجد أمامها " مقهى الانترنت!" و بدأت تحدث نفسها ثانية ، عذرت آية لذلك.. فأنها لا تجد من تبوح له لأفكارها.. فأن تحدث نفسها طوال الوقت فهذا أفضل عمل تقوم به. " نعم ... بريد الكتروني للجامعة .. سأرسل له رسالة الكترونية و أسأله عنه.." هرعت مسرعة نحو باب مقهى الانترنت و حين جلست أمام إحدى شاشات الحواسيب، عادت تفكر ثانية: " لما لم أفكر عن تلك النقطة؟! كيف له ان يقرأ البريد الآن.. كما انني لا أذكر اسمه .. لقد نطقت باسمه ذات مرة ..! لكن كيف لي ان أتذكره ..ذاكرتي ضعيفة جدا..! كما أنني جائعة!" ..و فكرت ان تذهب لتشتري لها بعض من الطعام.

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS
Read Comments

الجـــزء الثاني




الجـــزء الثـــــــــــاني

(1)..
ملأت تكتكات ساعة الحائط الهدوء في غرفة المعيشة، و والد ليــاء الرجل الأعمال الخبير جالسا في غرفة المعيشة منسجما بقراءة الأخبار الاقتصادية مستمتعا في الوقت نفسه بصوت حركات العقارب الساعة. لقد تعودت ليــاء برؤية والدها في الساعة الثامنة تماما هنا.. لتحضر له كوبا من الشاي. فوالدها يعتمد عليها في ذلك عن زوجته التي أصبح لا يطيق رؤيتها. تضع ليــاء الكوب على الطاولة الصغيرة بجانب الأريكة التي يجلس عليها والدها. تعض شفتها السفلى الزهرية و تبدأ بالحديث:" أبي.. لقد دعوتني لجينا للعشاء معها الساعة الثامنة و النصف..هل أستطيع الذهاب..؟" .
أخذ السيد حسام رشفه من الشاي و حملق بعيني ليــاء التي كانت تحدق على عيني والدها بتوتر. " و أين تأكلون وجبة العشاء ؟!" و هب يقرأ الجريدة التي بيده. انشغلت لثانية تفكر باسم مطعما ما. فكل ما كانت تفكر فيه طوال الوقت هو علاء. ففي الحقيقة أنها ذاهبة مع لجين لتلتقي به كما وعدته.
تمتمت ليــاء:" بيزا .. نعم .. سنذهب و نتناول البيزا .." و ضحكت ضحكة متكلفة و أعادت نظراتها على السجادة العنابية القطنية على الأرضية.
استدار السيد حسام نحو ابنته لكنه بالكاد نظر إليها، و ركز على عينيها :" يمكنك الذهب عزيزتي ، و لكن لا تتأخري بالعودة و يمكنك أن تخبري السائق بإيصالكما .."
وقفت ليــاء :" لا تقلق أبي ، و لن أتأخر بالعودة ..” و شكرت والدها و هرعت نحو غرفتها و أخذت معطفها و خرجت من المنزل و تنزل من درجات الباب الرئيسي و ابتسامتها لا تغيب عن وجهها، تغمرها فرحة كبيرة لرؤية علاء، لقد مرت سنة كاملة و لم تره.
تركض ليــاء بين طرقات الفرعية المبللة برطوبة الجو، لتصل الى منزل عمها الذي يقع بعد سكة من منزلها حتى تصل الى الباب الرئيسي لمنزل عمها و هي بالكاد تتنفس بصعوبة، و دقت جرس الباب.
فتحت لجين الباب:" و أخيرا أتيتِ، هيا لقد تأخرنا كثيــراً.."
-" نعم.."
و ركضتا مسرعتي نحو الشارع الرئيسي لتطلبان السيارة الأجرة، و سمعتا صوتا يناديهما ..
أدارت ليــاء رأسها لتبحث عن مصدر الصوت..فتفاجأت بـآية.." أيـــة.." و حملقت بعيني لجين بتوتر. ارتفعت أعصاب لجين .. " ماذا تفعلين هنا؟"
شبكت آية ذراعيها و قالت :" ألم تسرا لرؤيتي؟!" و ابتسمت لهما.
-" بلى يا حبيبتي ، لكن الى أين انت ذاهبة؟!" سألتها ليــاء..
أجابتها آية بكل سرور :" إلى حيث ذاهبتان.. هل تظنان أني لا أعلم ؟!"
شعرت ليــاء ان دقات قلبها قد توقفت، و حاولت ان تتمالك نفسها .. و جاهدت بأن تأخذ نفسا عميقا و تسألها:" تعـ .. تعلمين .. ماذا؟!"
-" لقد سمعت ما تقولانه اليوم في الجامعة.."
ثارت لجين :" قولي لنا ماذا سمعتِ؟! و متى؟!! "
حدقت أية بعيني لجين دهشة ،-" ما بكِ؟! سمعت ما اتفقتما عليه.."
صرخت لجين في وجهها :" سمعتِ ماذا؟! هيــا قولي؟!"
و أعادت آية تصرخ عليها " لا تصرخي علي أيتها البلهاء؟! هل غضبتي لأنني علمتِ أنكما ذاهبتان لتناول العشاء.."
-" ماذا .. العشاء؟! أهذا ما سمعت به آية؟!" سألتها لياء بشغف لمعرفة إجابة آية.
عبست إية و من ثم أكملت قولها :" لقد سمعت أنكما ذاهبتان لتناول العشاء مع صديقات المدرسة.."
زفرت ليــاء زفرة عميقة و اطمأن ريقها ، فمخافتها أن تعلم آية بأنهما ذاهبتان لاستقبال علاء ، عشيق آية السابق و أول حب لآية. فــليـاء تعلم مدى حب آية له و أن آية ما زالت على أمل بأن علاء سيعود إليها يوما، متجاهلة الأسباب الغامضة التي لم يلمح بها علاء لفراقه لها.
فما زالت كلمات لجين تدور في مخيلة لياء حين قالت لها ذات مرة :"أن علاء أحب آية ليقرب له فرصة من اقتراب منكِ ، فآية ليست إلا مجرد وسيلة للوصول إليك ، ،ألم تلاحظي أنه تعرف على آية بعد أن قمت برفضه للمرة الأولى ، أنه يمضي وقته فقط مع أية ، فعلاء لم يحبها قط ، و قد طلب مني ان اعرفه لآية و فعل كل هذا من أجلك فقط ، لقد كان معجبا بك لسنين عدة و أخبرني مدة حبه لكِ، فكيف لكِ ان ترفضيه ثانية؟! "
و تتذكر حزن آيــة حين فارقها، عندما جاهدت لتعرف أسباب ذلك، و أصرت على لجين أن تخبرها، لأنها هي التي عرفتها على علاء... لكن لجين لم تنطق بأي سبب و منذ ذلك اليوم فعلاقتهما لجين و آية العميقة أصبحت بالشبه من السطحية.
رغم معرفتي بفعل علاء الغير المقنع و حب أيه له فلم أستطع أن أرفضه ثانية. فقد انتابني شعور بأنه يحبني بالفعــل و كان شعوري صحيحا حين التقيت به و تحدثت معه. لقد كان يفعل كل هذا من أجلي. فأحببته كثيـرا و لم أعد أتخيل نفسي من دونه. و تجاهلت تذمر آية و شكوها عنه و في بعض الأحيان كنت أصل لحد الغيرة. كنت أكرهها حين تتحدث عن علاء، لكن لم أقدر أن ابتعد عنها فهي ستكون ابنة عمتي الغالية و رفيقتي.. رغم ان علاقتنا ليست بعميقة بتاتا!
استأجرتا سيارة أجرة ، الذي انطلق بهما نحو المطعم الذي اتفق علاء برؤية ليــاء بعد عناء طويل من إبعاد آية عنهما و حيث حاولت ليـاء جاهدة باختلاء أعذارا لتتيقن بها آيـــة. و انتهت النتيجة بغضب آية على لجين و تصديقها لليــاء، فهي تحب لياء كثيرا و تصدق كل ما تقوله لها.
خرجت لياء من سيارة أجرة أمام المطعم الفاخر، الذي يبعد كثيرا عن منطقة سكنهما. و أدارت عينيها السماويتان بحثا عن علاء حتى سمعت صوتا لطالما أحبت السماع به يناديها. أدارت رأسها نحو الصوت الذي أشعرها بأنها أسعد إنسانه على الأرض كله. اذا بعلاء يبتسم بابتسامة كبيرة و سعيدا جدا برؤية ليــاء بعد شهور عدة. مد يديه نحوها و حتى ركضت ليــاء نحوه و يضعها بين ذراعيه.

يتبع..

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS
Read Comments

(5)...

(5)...

يمر يوما أخر في من يوم جامعي جديد. هده المرة تبدأ بحصة " مبادئ الحاسوب". بقي ساعة أخرى لبدأ المحاضرة. و كعادتها تبدأ لجين بالتذمر فهي تكره أوقات الفراغ.

-"تعبت قدماي من المشي.."

ترد لها آية و هي تنزل الدرج :" ما كان عليك ارتداء الكعب العالي لجين "

تنهدت لجين :" لقد كرهت الجامعة!"

-" ما زلنا في بداية المشوار.. فأنا لم أحفظ طرق هذه الجامعة الكبيرة بعد!" قالت آية للجين

تخطط ليــاء بطريقة ما لإبعاد آية فهي ترغب بإخبار لجين شيئا ما. فقد أشارت نحو لجين بعلامة لذلك دون ان تراهما آية حتى تتفقان على ابعادها.

بدأت ليــاء بذلك :" آيــة.."

-" نعــم ليـاء..؟"

-" أنا عطشه ، هلا ذهبت لشراء قارورة ماء..؟!"

-" اممم ، لكن المطعم بعيد من هنا يا ليـاء .. هل انتظرتي بعد المحاضرة؟!"

-" لا...أنا عطشه جدا.."

-" أخبري لجين لتذهب.."

-" لجين ترتدي الكعب العالي.. فلا تستطيع أن تسرع مثلك .."

تنهدت آية و قالت :" يا الهي .."

رن هاتف النقال لليــاء ، تبادلا لجين و ليــاء نظراتهما توترا حتى قررت ليـاء اغلاق الهاتف دون أن ترد. سألتها أية:" لماذا أغلقتي هاتفك ليــاء ..؟!"

-" لا .. لا .. ليس لسبب معين!"

-" من يكون يا ترى ؟ دعيني أرى.." قالت آية

-"لا ..لا داع لذلك يا حبيبتي.."

حاولت آية سحب هاتفها من يدها، زمجرت لجين و صرخت في وجه آية :" توقفي عن ذلك آية..". قطبت آية حاجبيها و قالت لها:" لا دخل لكِ بالموضوع، فأنا و ليـاء متفاهمات..فهي لا تخبأ عني شي ، أليسا صحيحاً ليـاء..؟"

أحست ليــاء ان نبضات قلبها تتسارع بقوة شديدة ، و شعرت بذنب كبير فهي تخبأ أكبر سر يتعلق بآية عنها. حتى حاولت ان تغير الموضوع قائلة :" آية .. حبيبتي .. لا عليكِ .. هيا لنذهب الى المحاضرة .."

-" لا بأس يا ليـاء .. اذهبي أنت مع لجين .. سأذهب لشراء شي بارد يروي عطشك .."

- " لا بأس .. لم أعد عطشه..!"

قاطعتهما لجين ما زالت محاولة للإبعاد آية من هنا :"نعم .. آية .. اذهبي و اشتري لنا مشروبا باردا"

-" أعلم انك ترغبين بالتخلص مني.. فأنت لا ترغبين بإخباري بأسرارك.." قالت آية لها..

-" أنا حرة بأسراري !" أجابتها لجين بغضب..

أخرجت آية لسانها لها لإغاظتها و قالت:" لا بأس .. يكفي ان لدي ليـاء .. فهي ليست مثلك .." و أسرعت نزولا من الدرج حتى لا تصيدها لجين كأيام المدرسة و تضربها مثل الأطفال على هذه العادة حتى اختفت عن أنظارهما.

ازفرت لجين غضبا قائلة :" يا لها من فضولية!!"

"بل طيبة القلب.. فهي تهتم بنا كثيــرا و تخاف علينا..!" أجابتها ليــاء و هي تنظر نحو أسفل الدرج

-" لا عليكِ الآن .. دعينا في موضوعنا .. لقد كان هو صحيح؟!"

-" نعم ،.."

-" هيا، اتصلي به الآن... سيغضب اذا تأخرتِ .."

أخذت ليــاء الهاتف و اتصلت به .. بـعلاء. حتى أجاب لها:" مرحبــا حبيبتي .. لماذا أقفلتِ المكالمة في وجهي..؟!"

-" آسفة يا عزيزي .. كنت في الصف و زميلاتي كانوا معي.."

-" لا بأس .. أين أنتِ الآن؟"

-" في حديقة الجامعة.."

-" كيف كان يومك الأول بالجامعة يا عزيزتي..؟"

-" لا بأس به.."

-" ما بك؟ هل هنالك شيئا ما يضايقك؟!"

-" لا .. لا شي.."

-" جيد اذا، اسمعي.. فأنا قادم من السفــر في أسبوع القادم .. فأنا أتأمل رؤيتك .."

-" اممم.. سأحاول.."

-" جيد يا حلوتي.. اهتمي بنفسك .. مع السلامة.."

و أقفل السماعة.. و توجهتا لياء و لجين الى محاضرتهما.



***

في غرفة الحاسوب يصغي الجميع الى محاضرة مملة أخرى عن يوم الأول و عن السنة التأسيسية. لكن هذه المرة أستاذ عجوز كئيب لا يجيد رد الابتسامة أو الحديث الطيب. لطالما أحبت لجين العجائز حين وصفتهم بأنهم طيبو القلب و لكن يبدو أنها ستغير رأيها الآن. لا يبدو على هذا المعلم انه في مزاج جيد على الإطلاق. و بدأ بالشرح دون أن ينتظر لقدوم الطلبة المتأخرين. شرح للطلبة كيف تشغيل الأجهزة و الدخول باسم مستخدم خاص به فكل طالب في الجامعة لديه اسم مستخدم خاص به. و طلب من كل طالب ان يشغل جهازه. بحث الطلبة عن بطاقاتهم في ملفاتهم التي بها معلوماتهم الخاصة في الجامعة و سرعان ما أشغلوا الجهاز. بعضهم قد اعتذر للمعلم انه فقد بطاقته و ألقى توبيخا و شخص آخر قد نسيه و منهم ليث الذي ارتبك حين لم يجد بطاقته في الملف الخاص به.

سأله إلياس حين رآه يبحث :" لا تقل لي أنك فقدت بطاقتك؟! "

أجابه ليث و هو يبحث في جيوب قميصه :" لا أذكر أين وضعته!"

" ابحث جيدا ليث ، فستكون في ورطة أن لم تجده.." قال له سامي

حينها حدقوا جميعهم بالمعلم ، و عيناه تلمعان شرا و هو يحدق بشدة نحو الطلبة كأنهم يهددهم بأخر يوم في حياتهم. ابتلع ليث ريقه و رفع ذراعه الى أعلى و بكل خوف كأنه يستسلم لمصيره. و قال :" معلمي.. لقد .. لقد نسيت بطاقتي في المكتبة..!"

غير المعلم اتجاه عينيه بكل سرعة نحوه و بقي يحملق بعيني ليث بثوان، و من ثم أشار له بحركة برأسه أن يذهب و يبحث عنه. وقف ليث في مكانه و أسرع نحو الباب ليخرج حتى وصل الى المصعد.

***



آية ما زالت تعاني وقتا عصيبا في البحث، لقد نسيت آخر مرة كيف ذهبت إلى المقهى. فلا تلام على ذلك على الإطلاق. فالجامعة كبيرة و تكثر بها ممرات عدة. أشعر كأنني تائهة في غابة !" قالت آية باستسلام و هي تضع يديها على خصرها. تأففت و أكملت المشي حتى وصلت الى اخر ممر في المبنى فنظرت حوليها لا يوجد مخرج آخر. وقررت أن تتصل لليــاء و تعتذر لها بأنها لم تجد المقهى و همت بالبحث في حقيبتها عن نقالها و لكنها توقفت عن ذلك حين سمعت صوت أقدام يقترب منها. رفعت رأسها لترى المعلم عمران أمامها عن بعد متر. المرعب في كل مكان ، ابتسم لها و قال:" مرحبا آية .."

أجابتها آية :" بـ .. بخير .. "

ابتسم المعلم ثانية و ساد الصمت لبرهة من دون أن يحدق كل واحد على الآخر. قررت آية لبدأ الحديث و لكنها توقفت عين لاحظت أمل أخت ليــاء تلوح لها من خلف معلم عمران تناديها.

-" عذرا معلمي .. علي الذهاب.." قالت آية

-" أوه، حسنــأ .." ابتسم لها المعلم و وقف جانبا يراقبها حتى وصلت الى أمل.



قدمت آية نحو أمل و ألقت عليها التحية.

-" مرحبــا آية..!"

-" أهلا أمل.. كيف حالك؟"

-" بخير.. أين تلك البلهاء..؟!"

ضحكت آية ضحكة مكتومة و قالت :" في المحاضرة.."

-"لا بأس.. خذي هذه الأوراق .. أعطيها لليـاء لتوصلها لوالدي.. فأنا أتأخر بالعودة... لا تهمليها فأنها أوراق مهمة !"

-" حاضر.. لكن كان من الأفضل أن تضعيها في ظرف أو ملف ما؟!"

" لم يكن لدي وقت كاف لشرائه.... و ماذا عنكِ ؟ لما انتِ هنا؟!"

-"أنا؟! ... أنا تائهة هنا.. فأنا أبحث عن المقهى.."

-" أنت قريبة من المقهى.. انه أمامك بعد مواقف السيارات هذه.."

أدارت آية الى الخلف و رأت أمامها العديد من المواقف السيارات و عادت تنظر نحو أمل و لكنها اختفت بسرعة. تمنت آية لو أن أمل تدلها على الطريق و يبدو عليها أن تبحث بنفسها. مسكت آية الأوراق بين ذراعيها و مشت نحو السيارات و هي مسرعة كالبرق فهي لا تنسى انها قد تأخرت من حصتها. فصدمها شخص ذو جسد قوي بقوة و أسقطها على الآرض من دون قصد حتى تناثرت جميع أوراقها على الأرض. فرفعت رأسها مستعدة لتشتم شتما قوياً فهي ليست في مزاج ، أغلقت فمها حين رأت الشخصية الغامضة مقوسا ظهره اعتذارا.

وقفت آية و قالت:" ألا ترى أمامك؟!"

-" لقد كنت مسرعاً.."

نظفت آية بلوزتها من الغبار و حتى لاحظت ان السيد الغامض يرفع الأوراق المتناثرة و جمعها معا و أخذه أوراقه منها و سلم بقية الأوراق لآية دون أن أي أنطق بحرف. أخذت آية الأوراق من يده و قالت له :" انتبه في المرة القادمة .. "

مرر عينيه بعينيها لثانية واحدة فقط و لم يجبها بل أكمل طريقه الى المبنى الآخر و صعد الدرج. استدارت آية الى الخلف لتنظر نحوه و تمتمت :" ما باله؟! " و ذهبت آية الى طريق معاكس نحو المقهى.

يمشي ليث بين طرقات الجامعة نحو صفه و وقف لبرهة بجانب النافذة ينظر نحو السماء ، شعر في نفسه بشعور غريب ينتابه و شعر بفراغ كبير بداخله. شعر بأنه فقد شيئا من نفسه. حاول ليث يغير مجرى تفكيره و يعمق تركيزه في الدراسة و الأوراق التي بيده. جيد انه ركز بين الأوراق لأنه لم يجد بطاقته بينها. نظر نحو الصف .. لا ..لا .. فليث ليس مستعدا للشنق بعد! " بطاقتي معها! .. نعم ..بطاقتي معها..". ركض ليث نحو الدرج مسرعا و شعره يتطاير مع الهواء و نزل نحو مواقف السيارات .." ليست هنا!" .. و هم نحو المقهى ليبحث عنها..

يمر الوقت أثناء المحاضرة وتتحدثان لياء و لجين بصوت خافت، فلقد شعرتا بملل من ثرثرة المعلم الذي لا يكتفي من تحدياته الشريرة كأنه لم تملي عليه أشكال الطلبة ، قالت لياء و هي تهمس للجين:" لقد تأخرت آيـــة!!" لياء للجين..

" لا تقلقي ...سوف تعود! الآن قولي لي .. كيف ستلتقين بـ علاء...؟"

-" امم .. لم أفكر بعد؟!"

-" ألن تشترين له هدية أو ما شابه ذلك..؟"

-" ماذا سوف أشتري له؟!"

-" امم ... ورود...!"

-" لا أعلــم.."

-" أذكر أن آيـــة قامت بإحضار ورود له ..!"

حدقت لياء بعينيها.. و من ثم قالت لجين:" قصدت في الأيام التي كان يحب فيها آية.."

أعادت لياء النظر نحو الحاسوب الذي أمامها و بدأت تفكر بعمق.." علاء كان شخصا يحب آية قبلي.. لا تعلم آية بأنه تركها من أجلي.. لقد كان يستغل آية .. ليقترب مني و يعرف عني .. فآية لا تعلم عن هذا سر.. عدا لجين .. فقد كانت تساعد علاء لذلك..لا أعلم أيضا .. لماذا لجين قامت بهذا رغم أنها كانت تعلم أن علاء يستغل آية..لم تكترث بآية .. بل بي.. و كانت وسيطا بين علاء و آية .. وبين علاء و بيني في الوقت نفسه ..لقد أحبته آية كثيراً و تأثرت كثيرا بفراقه.. و ما آلمها أكثــر حين علمت بأن علاء فارقها من أجل فتاة أخرى..ولا تعلم ان تلك الفتاة التي كرهتها و بغضتها .. هي أنا...صديقتها التي تحبها و لا ترغب بفراقها... "





في وقت نفسه، تخرج آية من المطعم و معها كيس بداخلة مشروبات باردة، خرجت من المبنى حتى شعرت بقبضة يمسك بذراعها. نظرت نحو ذراعها و رفعت عينيها لترى فتاة بغاية جمال تبتسم لها و هي تمسك بذارعها. اندهشت آية و ابتسمت لها بعد تردد. تكلمت الفتاة و سألتها بابتسامة كبيرة :" هل لك أن تدليني عن موقع الإدارة..؟!"

جيد انها سألت عن الإدارة ، فهو المكان الوحيد الذي تتذكره آية جيدا حين قدمت مع والدها للتسجيل ، " بالطبع .. اتبعيني .." قالت لها آية بكل فخر.

-" شكرا لكِ و أعتذر لإزعاجك.."

هزت آية رأسها نفيا قائلة :" لا عليكِ.. فهو في طريقي .."

ابتسمت لها الفتاة و مشيا معا. سألتها أية:" هل أنت في سنة متقدمة من الدراسة؟!"

-" لا..ما زلت في بداية مشواري.."

-" أحقا؟! .."

ابتسمت الفتاة لها و قالت:" ماذا عنكِ؟"

-" أنا كذلك ، في السنة التأسيسية.."

-”جيد.. أدعى رؤى .. فأنا ابنة عميد الجامعة..هل لنا أن نصبح صديقات؟!"

انبهرت آية كثيراً لسماعها ذلك ، فابنة عميد الجامعة تطلب صداقتها .. يا لهذا الحظ الرائع! تحدث آية نفسها، ليس بالأمر شك..فهي ترتدي أجمل الملابس و أغلاها و بدت أنيقة جدا بثوب رقيق و حذاء خفيف ذو كعب عال.. بعكس آية التي ترتدي بلوزة من الجينز يصل الى ركبتيها و قميص بأكمام قصيرة و ترتدي عليه معطفا بلون أزرق باهت و حذاء صوفي طويل. لكن لياء تبدو أكثر أناقة بالنسبة لآية فهي تعبث في ارتداء الملابس لكنها تجيد الاختيار.. لا أحد يرتدي أجمل من لياء في نظر آية. لكن توقفي يا آية.. كيف لها ان لا تعرف مكان الإدارة و هي ابنة عميد الجامعة..

رؤى تحملق في عيني آية التي بقيت بصمت تفكر حتى ضحكت بكتم و قالت:" ألا تريدين أن تصبحي صديقة لي..؟!"

انتبهت آية أنها ما زالت مستيقظة و لوحت بيدها و قالت:" بالطبع ، أريد أن أصبح صديقتك..". رفعت رؤى يدها لتصافحها.

تستمتع آية بالمشي مع صديقتها الجديدة رؤى متناسية محاضرتها المهمة و كأنها ليست تلميذة من ذلك الصف. قدمت معلمة نحوهما فقلد أتت لتبدأ محادثة صغيرة مع رؤى لشرف لها أن تتعرف على ابنة العميد الجامعة. فالجميع يحاول ان يكون علاقة جيدة معها حتى تكون لهم وساطة جيدة و نستطيع أن نقول أن بعض من المعلمين لا يكترثون بهذه السخافات! لكن رؤى لديها قلب واسع، فهي ترحب بكل من يحدثها. سرحت آية و هي تنظر نحو رؤى التي كانت منسجمة بالحديث ، تعتقد أن رؤى محظوظة بجمالها و بعائلتها و يبدو أنها وحيدة و مدللة و تحظي باهتمام الجميع و تحصل على ما تريد بعكس آيةـ تعيش في منزل متواضع مع أختيها الكبار اللتان تحصلان على ما تريدان قبلها بصفة أنهما أكبر منها و أخيها الصغير الذي لا يكف عن مشاجرتها و أبٌ حنون و لكنه لا يتوقف من التذمر عن عمله والدتها التي تحرص أن تكون أفضل من زميلاتها في العمل و تحتل مراتب أعلى منهن.

أذنتها رؤى أنها ستذهب مع المعلمة التي تلح عليها بوجبة غداء معاً و وعدتها بلقاء آخر. ابتعدت عنهما آية و تذكرت ان هناك محاضرة تنتظرها. يبدو انه فات الأوان لتفكر بذلك. فهي لا تعرف أنها محظوظة أيضا لتأخرها فجميع زملائها يعانون وقتا عصيبا في مختبر الحواسيب مع معلم عجوز الذي لا يكف عن الشتم و التحديق المرعب.

أوقفها زميلها الذي وقف فجأة أمامها عن عالمها الخاص التي كانت تحملق به. و أخيرا نطق بأحرف بسيطة بعدما أشار نحو أوراق التي تحملها آية ، قلقد ظنت آية انه بكم لا يجيد التحدث!

-" اذا .. اذا .. سمحتِ .. أظن ان أحدى أوراقي بين أوراقك.."

-" ماذا..؟ "

-" لقد أضعت إحدى أوراقي المهمة حين اصطدمت بكٍ .."

-" آآه .. أحقا؟! سأبحث عنها.."

بحثت بين الأوراق و أخرجت بعضاً منها و قالت:" هذه هي ..!"

أخذ ليث الأوراق من يدها دون أن يتأكد بأنها هي ، تركها دون أن يقول بشيء آخر و عاد يمشي الى المختبر. أوقفته آية :" لحظة!"

توقف في مكانه و نظر الى الخلف :" نعم؟!"

-" دلني على الطريق الى المختبر.."

هز رأسه إيجابيا ، فتقدمت آية نحوه و وقفت بجانبه عن بعد متر و مشيا دون أي حديث متبادل. حتى وصلا الى المختبر. مد ليث يده ليدير مقبض الباب و ففتحه فإذا بأمامه وجه لعجوز قد كره العالم من حوله.

-" إسمكما؟! " قال بصوت أهج و خشن

بلع ليث ريقه فقد خاف أن يحوله هذا العجوز الى ضفدع يقضى حياته ينتظر قبلة من أميرة جميلة! لاسيما ان يشبه أحدى السحرة في ألعاب الالكترونية لإلياس. و أخيرا نطق أمير القصة:" أدعى لــ ..ليث"

لم تفهم آية قصة العجوز هنا ، الذي تخيلت انها رأته في أحدى مسلسلات الدرامية ، الجد الذي يبحث عن حفيدته منذ سنين :" أدعى آية " قالت بكل سرور و نشك أنها ستندم على هذه ابتسامة التي قدمته له.

-" غياب! .. عودا حيث كنتما .." و أغلق الباب أمامهما بعنف.

" حكاية ما ستطول !" نطقت آية و هي مصدومة

يتبع في الجزء الثاني ..

جميع الحقوق محفوظة

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS
Read Comments

(4)...

الجزء الأول
(4)..
-"آآآه، أشعر بألم في ظهري من الجلوس!" قالت لجين و هي تمد يديها الى الأمام و أكملت :" أنه لا يكف من الثرثرة!"

قدمت ليــاء نحوها و جلست بجانبها على احدى الكراسي في الاستراحة العامة التي تعمه معظم طلبة صفهم.أما آية فبقت جالسة على العشب و قد أخرجت شطيرة من الجبن من حقيبتها لتلتهمه ، فبقاء من دون عمل يشعرها بالجوع. مدت ذراعها نحوهما لتسألهما قد ترغبان بأكل شطيرة أيضا و لكنهما لوحا بيدهما نفيا و من ثم عادت آية تكمل شطيرتها.

-" لقد أحببت المعلم حقاً ، يبدو طيب القلب..!" قالت ليــاء و هي تنظر نحو السماء

-" الجميع يظن ذلك يا ليــاء.."

-" أعلم يا لجيـــن ، لكن... يبدو وسيما ! و بغاية الجمال ! كما انه غير متزوج!"

طبقت قطعة الشطيرة في صدر أية من الصدمة بما الذي قد تفكره به ليــاء وحاولت أن تبلعه بسرعة و ضربت صدرها بيدها حتى تتنفس جيدا. و حين انتهت من ذلك بدأت بالضحك بصوت عال و تبعتها لجين بالضحك ايضاً!

-" ما بكما؟! لم أقل شيئا مضحكا..!" قالت ليــاء

تحاول لجين الحديث و لكنها لا تستطيع من شدة الضحك و حتى استطاعت القول :" أتخيل ليــاء مع المعلم..! " و عادت تضحك ثانية دون أن تكمل عبارتها. وقفت آية و هي تضحك وأكملت قول لجين :" صحيــح! كيف يكون هيئتهما و هما يمشيان معاً؟!"

-" لا ..لا .. تخيلي ان ليــاء تذهب إليه و تعترف بإعجابها به؟! " تقول لجين و هي تضحك

شعرت لياء بغضب و قالت لهما:" توقفا عن مضايقتي !!!"

تكمل آية المسرحية التي قد بدأت في مسرح استراحة الجامعة الرقم (3) قائلة و هي تربط كفيها و تحدق نحو السماء:" .سيد عمراااااااان .. أنا معجبــــــــة بك كثييييييييييرا"

لكنها تتوقف عن تمثيل دورها حين أحست ان الهدوء قد عم في المكان ، تخيلات كثيرة قد أرهبها عن هذا الهدوء المفاجأ لكنها فضلت مواجهة مصيرها و أستدارت الى الخلف لترى السيد عمران واقف بجانب كرسي التي تجلسان عليه لجين و لياء اللتان بدتا مذهولتين حقاً! فلقد رأيا المرعب للفيلم " الشجعان الثلاثة".

يقف المعلم مندهشا يحدق بعيني آية دون أن يتفوه بأي كلمة حتى ابتسم بصعوبة قصوى و رحل بصمت مريب. و يسود الصمت حتى تكسره ليــاء بضحكها على آية قائلة :" تخيلوا !.. قد.. يظن المعلم .. عُمران أن آية معجبة به الآن..!"

و انتهى المسرح الفكاهي هنا. " لكن لماذا أتى المعلم هنا فجأة..؟!" سألت آية


***

" لقد تعجبت حقا بوجود فتاة مثلي تحب الرسوم المتحركة؟!" يتحدث إلياس الى نفسه تقريبا، لأن هذه المرة قد شعرا كل من سامي و ليث بالملل من جملته هذه الذي يكررها طوال الوقت..

" لطالما ضحك علي الجميع ، أنني طفل!! لكن .. هناك شخصا آخر يوصف كالطفل أيضا!" ، استدار إلياس نحو ليث و من ثم نحو سامي .." لكن .. من كانت؟!"

غمغم ليث بقوله :" أخيرا أتي بجملة غير مكررة!"

أجاب سامي مبتسما :" تلك الفتاة.. هناك!" و أشار نحو فتاة ذو شعر أسود التي كانت جالسة على العشب و قد كانت تضحك. أبصر إلياس نحوها مسرعا و اقترب أكثر ليراها " هذه هي اذا!!"

-" ما الذي تنوي بفعله الآن؟! تخطفها؟!" قال ليث و رفع قنينة الماء الى فمه ليشرب منها.

-" يبدو ان قلبي قد اختطفها قبلي!" قال إلياس و هو مستمرا بالتحديق إليها.

ابتسم ليث سخرية منه و أما سامي بدا مستغربا منه . و حتى استدار إلياس نحو ليث قائلا:" أخيــــراً ، سأعيش في الحلم! "

لم يكترث ليث بما يقوله إلياس عن الحلم و الفتاة. فهو يكره نفسه حين يفكر بالفتيات و لاسيما حين يتذكر نفسه في مواجهة ما حصل له من قبل، أحب فتاة واحدة ولا يفكر بغيرها مهما مرت به من الظروف. فقد وعد نفسه أنه لا يفكر بغيرها حتى لو كانت آخر فتاة في حياته.

-" هيا بنا ، لقد حان حصة الحاسوب .." قال سامي لليث.

هز ليث رأسه ايجابيا و وقف في مكانه و حمل قنينة الماء و هم بالمشي نحو البوابة. تبعه إلياس و سامي بعد ان حمل كتبه في يده بل الصف كله هم بالذهاب الآن و قد امتلأ الممر بهم.

فقد كان إلياس متحمسا جدا ، يمشي في الطريق و هو يقفز و يضحك بصوت عال بأحاديثه. حتى تزاحم جميع الطلبة في الممر حتى وجد إلياس آية تمشي أمامه مع صديقتيها عن قرب منهم. بدأ بمراقبتها خطوة بخطوة و كل حركة صغيرة لها. لفتت ليــاء الى اليسار فانتبهت بإلياس الذي لم يغير اتجاه عينيه عن آيــة و سرعان ما لاحظ إلياساً أن ليــاء تنظر نحوه. ادعى انه ينظر الى اتجاه آخر حتى رأى المعلم عمران بين الطلبة يحدث احدى المعلمين و في يده أوراق عدة، ناد به بصوت عال و بدأ يلوح له بابتسامة كبيرة ليبرأ نفسه أنه لا يحدق الى آية.

ارتبكت آية حين سماعها احدى الطلبة ينادي باسم المعلم عمران و بحثت عنه بأرجاء المكان و رأته يبتسم للطلبة. انتبه المعلم عمران بوجود آية و حدق نحوها بارتباك حتى اخفضت آية رأسها و هي تقول في نفسها :" أكره أيامي الدراسية الأولى!"

يتبع ..

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS
Read Comments

(3)..

(3)..
تبع الطلبة الجدد المعلم عمران ،الذين استمتعوا بجلسة صغيرة مع المعلم خارج الصف و دخلا ليث و سامي مع مجموعة من الفتيان الى الصف ومن خلفهما المعلم و إلياس الذي كان يدخل من بعده. و هنا تكاثرت أصوات البنات مديحا و اندهاشاً بجماله و لم تستطع بعض الفتيات إبعاد عينهن عنه على الإطلاق. " يا له من رائع!" ، " كم هو وسيم!" و هذه الجمل قد تسمع من نهاية الصف أيضا. يقف إلياس بجانب السيد عمران ينظر نحو الفتيات بدهشة و بدأ يحك شعره خجلا و توترا و يحدث نفسه بنفسه " لقد قيل لي اني جميل لكن لا تحرجوني هكذا!" و يلوح بيده دون أن يشعر بنفسه. حتى يأتي ليث و يسحبه من يده الى نهاية الصف :" لست أنت بل المعلم عمران!".
حقا! الفتيات معجبات بالمعلم عمران و ليس غيره. و منهن الفتاة بهيئتها الجديدة التي لا تكف عن تحديق به و يبدو أن بعضهن مختلفات حقا! لجين و آية تضعان إصبعيهما في أذنيهما من الضجيج المستمر!يبدو أن ذوقهما مختلف بعض الشيء.
حتى بدأ المعلم الوسيم بالتحية :" صباح الخيــر."
رد الجميع بصوت عال و بكل حماس عدا الفتية ولا ننسى لجين و آية. و ابتسم المعلم كعادته و قد تبين الغمازتين بخديه و حاول أن يبدأ حديثه:" أدعى المعلم عمران ، فهذه سنتي الأولى في التدريس في الجامعة..و لقد كنت متدربا هنا بالسنة الماضية ..." وقف المعلم لبرهة يحدق بالصف، تستمتع الفتيات بالحديث و ينصتن جيداً كأنهن يشاهدن مسلسلا رومانسيا ما بعد العشاء. أكمل المعلم عمران :" كما ترون .. فمازلتم في السنة التأسيسية، فهي من أهم سنوات الدراسية بالجامعية .. حيث تتعلمون جميع المبادئ و الأسس المهمة التي تكون نفعا لكم في السنوات القادمة.."
-" نعم .. نعم..”، -" صحيح... صحيح.." رد الطالبات، أما الطلبة فمعظمهم بدأ يشعر بالنعاس ولا ننسى لجين التي كانت تلعب بهاتفها النقال و آية التي كانت ترسم على دفترها يبدو أننا سنضمهما بين مجموعة الفتية في حصة المعلم عمران.فأخذ المعلم يخرج أوراقه من حقيبته و قال :" كما تعلمون .. لديكم عدة مواد لتتعلموها في هذا الفصل .. الخريف .. الإحصاء و الحساب ، و مبادئ الكمبيوتر .." و قام المعلم يشرح بأدق التفاصيل عن برامج الفصل و المتطلبات حتى انتهى.
و يبدو أن الياس قد استمتع بنوم هادئ جالساً بعيني مفتوحة. و أفاق جيدا عندما قال المعلم بصوت عال:" إذا.. عرفوني بأنفسكم..!". و أشار نحو أول طالب جالس في المقعد الأمامي. رد الطالب بكل سرعة:" السيدات أولا.." ضحكت المعلم ضحكة خفيفة و قال:" اذا هيا يا سيدات المستقبل..!". بدأت الفتيات تحدقن بعضهن البعض و نعيد لجينا و آية الى مجموعتهن و نقول أنهن شعرن بتوتر هذه المرة. و بدأت احدى الفتيات بتعريف نفسها بكل توتر و تبعتها فتاة تلو الآخرى و المعلم يشجهن و يمازحهن أيضا.
حتى وصل الى آخر فتيات الصف ، أجابت الفتاة ذو شعر بني و خصلات ذهبية التي تميز بشرتها الصافية البيضاء و عينيها كلون البحر و بدت بغاية الجمال في نظر المعلم و كذلك الجميع. فأكثر ما يميزها هنا أنفها الذي يتميز بشكل مميز كأنه قد رسم بيد رسام موهوب :" أدعى .. أدعى .. ليـاء.. اممم .. طالبة جديدة .. هواياتي.. اممم .. أحب ان اتصفح في الانترنت ..و أحب تصميم الديكور..و كذلك أحب الموضة و التسوق..".
لم يغب ابتسامة المعلم و أجابها :" أرى أن هذا يناسبك ..". احمرت ليــاء خجلا و غيرت اتجاه بؤبؤيها الى مكان آخر. لم تكلف الفتاة ذو شعر طويل داكن اللون و عينيها اللؤلؤتيان نفسها بالإذن لتعرف نفسها و قالت:" أدعى لجين ، نعم.. هواياتي هي الاهتمام بالمنزل و الطبخ و القراءة.. و أحلم أن أكون زوجة صالحة و ربة منزل ممتازة .." اندهش الجميع بالنظر إليها و تعجب المعلم منها قائلا :" تعجبني الفتاة الصريحة..أرجو ان يتحقق ذلك.."
لم تجبه لجين أبدا و هنا حدق المعلم بعيني آخر فتاة في الصف، التي تميزت بشعرها الأسود التي يميز بشرتها البيضاء و خديها الوردتين و قال لها :" أنتِ يا صغيرة..!"
لا ننسى القول ، زميلات آية في الصف تتذكرن جيدا عندما ضربت آية احدى الفتيه في أنفه حين فقط استمر بمناداتها " أيتها الصغيرة..!". و يا ترى هل ستفعل الشيء نفسه الآن؟
-" أنا آية ، امممم ..هواياتي ..اممم .. أحب التقنية و الألعاب الإلكترونية.. و التصوير و أحب مشاهدة الرسوم المتحركة.." يبدو انها لن تفعل الشي نفسه هذه المرة! ضحك الجميع في الصف حين سمعوا ذلك و بدأت الهمسات بكلمتين المفضلتين لآية:" صغيرة أو طفلة ! ". استمرت آية بالحديث قائلة بكل عزم:" لم أعلم أنني صغيرة قط!" يبدو انها ستفكر بالانتقام يوما ما!.

***
شخص ما يفكر بعمق بكلمتي " الرسوم المتحركة"، هل سيقولها للمعلم أم لا ؟! شخص ذو شعر فاتح اللون و الذي يتميز بقصة شعره الذي يسمى في الموضة " الشعر المدرج: " أدعى إلياس و .. عمري 18 سنة .. أحب تربية القطط.. كما إنني .. أحب التقنية و الألـعـ لا أقصد .. مشاهدة ..... الرسـ ..... لا اقصد البرامج الوثائقية..حلمي أن أكون مهندسا .."
هنا يهمس له ليث قائلا :" الأفلام الوثائقية ها؟!" فليث يعلم مدى كره إلياس لهذه البرامج المملة و يتذكر حين قام برمي جميع أفلام الوثائقية لجده في القمامة بصف العاشر و حرمه جده بالعشاء ذلك اليوم حتى تناول وجبته في منتصف ليل بعد وساطة جدته.
يحين دور ليث ، آخر طالب في الصف و لكن لا يبدو الجميع منتبه فلقد اشعروا بالملل عدا ليــاء و لنقل آية قليلا و احدى الفتيات الجالسات في الأمام. يبدأ ليث بالحديث بعدما مر يده نحو شعره الأسود يصل الى رقبته بتدرج و عيني بنيتين:" أدعى ليث..عمري 18 سنة أحب العمل المشترك.. و أحب التجارة و لدي هوايات متشابهة مثل صديقي إلياس.. كما أني أحب التصوير كثيرا و أحلم أن أكون مصورا عالميا.."
تنشغل الفتيات المستمعات بالتحدث عنه :" اسمعا ! انه يحب التصوير مثلي!" قالت آية
ردت عليها لجين قائلة :" ألا يبدو وسيما؟!"
-" بل غامضا نوعا ما..!" قالت ليــاء و هي سارحة بالتحديق إليه.
نظرا آية و لجين نحوها بدهشة و تعجب. و قاطعهما المعلم حين قال:" أحببت حقا الإصغاء إليكم .. و فخور جدا أن جميعكم يحلم بأشياء يرجوا أن يحققها.."
عم الهدوء في القاعة و أكمل المعلم قوله :" .. بعض منكم قد بدأ بتحقيق حلمه ..و بعضكم ما زال يفكر كيف يبدأ ؟ و منكم على وشك الوصول اليه.. لكن .. هناك شي واحد .. الحلم! ... إذا رأيت نفسك أنك غير قادر على تحقيقه .. أتركه جانبا.. او الحلم الذي تستغله لمصالحك النفسية فقط أرى ان تتركه جانبا أيضا.."
بقي الجميع يستمع إليه بصمت .. ثم تابع المعلم الحديث:" حينما نحقق آمالنا و أحلامنا .. علينا ان نعلم .. كيفية خدمة أمتنا و وطننا بهذا الحلم .. و نعلم غيرنا و نساعد غيرنا في تحقيق آمالهم أيضا.. و ذلك للعمل و الاجتهاد لخدمة هذا الوطن... و هذا العالم بأكلمه .. فالأم .. حين تربي أطفالها بالخير.. فهي تبني أجيالاً.. أجيال الخير لتقتدي بها الأجيال الأخرى.. "

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS
Read Comments

(2)..

الجزء الأول
(2)...
استمر الفتية بالمشي نحو جهة المقابلة للعب بالكرة بعد انزعاجهم من ثرثرة الفتيات. يركل إلياس الكرة نحو ليث بعدما اكتفى من تحديقه باستعجاب حيال البنات. كأنهن لم يرين خاتما في حياتهن أو لم يرين حقيبة في حياتهن او لم يرين حدائق كبيرة في حياتهن او كل شي في حياتهن الا الآن. يكتفي إلياس من التفكير بكلمة "حياتهن" و يغير تفكيره نحو " حياته!". حياة صديقه العابس طوال اليوم...ليث.
-" أما زلت تفكر يا صديقي..!" سأله إلياس و هم بأخذ الكرة من على الأرض و رماه الى بقية الفتية. رفع ليث رأسه ليحدق به و أغمض عينه اليمنى من أشعة الشمس خلف إلياس و عاد ينظر لجهة أخرى.
توجه إلياس نحوه و جلس بجانبه و من ثم وقف لبرهة يفكر. و من ثم عاد يقول :" أما زلت تفكر بها؟!"
حدق بعيني إلياس بغضب ، ثم تنهد باستياء و قال :" أعذرني.." واضعا ذراعيه على ركبتيه شابكا أصابعه.
وقف إلياس لثوانٍ يفكر وهو يحك شعره. ثم قال :" لا تقلق.. سيأتي يوما ستندم على فعلتها..!"
رفع ليث رأسه و نظر نحو زملائه الذين نجحوا في رمي الكرة الى السلة و قرر فجأة الوقوف و وضع يديه في جيبيه و رفع رأسه لينظر نحو السحب و قال :" هل تحب السفر؟!"
-" هممم .. لم أسافر في حياتي الا الى باريس ذات مرة! و لم تكن رحلة ممتعة لأن جدتي لم تكف عن التذمر طوال الرحلة"
أدار ليث رأسه الى الخلف و قال:-" جيد ، ما رأيك أن نذهب الى روما سويا؟! "
-" روما ..همم ..دعني أفكر!!"
-" لا تشترط و الا جعلتك تدفع كل شي .."
ضحك إلياس و وقف بجانبه و وضع ذراعه حول رقبته و قال :" لدينا جدول دراسي هنا.. و لا نعرف معظم الأماكن هنا.."
ابتسم ليث له، وأخرج جدوله من جيبه و قرأ:" القاعة 4-3T.." و قرأ ملاحظة صغيرة قد كتبها بخط يده:" الطابق الثاني في المبنى الثالث."
سحب إلياس الجدول من يده و حدق به :" من أخبرك بموقعه؟!"
-" سألت احدى المعلمين أثناء التسجيل.."
-" أنت حقا رائع ليث .. لا تفوت عنك أدق التفاصيل.."
ابتسم له ليث و قال :" هيا بنا.."
***
توجها ليث و إلياس نحو المكان الذي دونه ليث في جدوله ، بعد ما زاروا عدة قاعات في المبنى الثالث. فلا ننسى وجود مبانٍ أخرى في الجامعة. وقف ليث بجانب أحدى الصفوف و قال :" أخيرا وصلنا .." و لكنه لم يتلقى أي اجابة فتعجب من ذلك فإلياس شخص لا يستطيع غلق فمه. أدار نفسه الى الخلف ليرى إلياس واقفا يلهث من التعب. تنهد ليث و اتجه نحوه قائلا:" هيا! لا تتكاسل ..!"
-"انتظر قليلا ، لقد تعبت من المشي.."
-" عليك ان تعتاد على ذلك ، فستقصد هذا الطريق كل يوم من الآن و صاعدا!"
-" حسنا.. حسنا!" و من ثم رفع رأسه لينظر نحوه و قال بتعجب:" قل لي يا ليث؟! أما زلت تأكل حبوب الذرة بالحليب والبيض كل صباح لتبدو نشيطا كعادتك؟!"
تفاجأ ليث من سؤاله و هم ليسحبه نحو الصف لكنه توقف حين رأى أحدى الفتيه الواقفون يضحك من سؤال إلياس. و حينها تمنى ليث أن يرمي الياس من الدرج الذي بجانبه عن سحبه الى الصف فلقد أفشى إلياس سر وجبته الخطيرة.
حاول الفتى ان يتمالك نفسه من الضحك و قال :" آسف ..!"
لم يعره ليث اهتماما لكن إلياس فعل و سأله :" هل انت من هذا الصف؟! " و أشار نحو صفهم
ابتسم الفتى و أجاب بنعم. رفع إلياس يده ليصافحه و قال بابتسامته العريضة كعادته:" أدعى إلياس و هذا صديقي ليث و نحن من ذلك الصف أيضا!" . رفع الفتى ذو النظارة ذو شعر ناعم أحمر اللون يده ليصافحه و قال:" أدعى سامي .." و مد يده نحو ليث ليصافحه و بقي ليث يفكر بمصافحته أم لا. كعادته يتكاسل في إخراج يده من جيب بنطاله الجينز ، حتى أخرج يده بعد ثوان و صافحه و عاد يضعه الى جيبه.
شرف إلياس نفسه بالسؤال:" لم أنت واقف في الخارج؟ أأجلت محاضرة؟! أليس المدرس هنا؟!"
أجابه ليث بتنهد :" ها قد بدأنا..". فكثيرا ما اندهش زملاء إلياس في المدرسة بخبر قبوله للدراسة في الجامعة. لطالما عرف إلياس بكسله و نومه أثناء الحصص و عناده مع المعلمين. و لكن لا يعلمون أنه بذل أقصى جهده حتى يحصل على هدية وعده جده له و حتى الآن لا أحد يعرف عن هوية الهدية.
ضحك سامي ضحكة مكتومة و قال:" لا .. لكن .. لا أظن أنكما تتجرأن في الدخول الآن .."
-" لماذا؟! " سأله إلياس..
-" الصف مليء بحشد من البنات .."
-" هذا الكلام موجه الى ليث فهو الخجول هنا ، أما أنا.. شاهدوا بأنفسكم!"
-" أوه حقا! " قاله ليث سخرية
لم يكترث له إلياس بل هم مسرعا نحو الصف بكل ثقة وفتح الباب و سرعان ما أغلقه حين رأى نظرات الفتيات له. و عاد مسرعا نحو ليث و هو يضع كفه على صدره:" مخيفات!"
-" لقد شاهدنا بأنفسنا بما يكفي!" قال ليث من دون أن ينظر اليه.
" هل الفتيات مخيفات حقا!.." خرج صوتا من خلفهم جميعــا و كاد الجميع يقفز من الرعب. استدار الجميع إلى الخلف كأنهم يستعدون لمواجهة قوية و يهمون بتقليد الأبطال " الشجعان الثلاثة". فاندهشوا بوجود المعلم عمران أمامهم يبتسم و يكاد عينيه يختفيان من عمق ابتسامته. همس الفتية فيما بينهم:" لقد سمعت عن هذا المعلم، لقد قيل لي انه طيب قلب و يتساهل كثيرا مع الطلبة!" قال سامي.
-" أحقا؟! " قال إلياس
-" لكن تبين لي انه كبير بالسن و لكنه يبدو صغيرا جدا.." همس ليث لسامي.
الفيلم الرعب لم ينتهي بعد ، فأسئلة المرعب لم تنتهي بعد:" من أين سمعتم كل هذا؟! " سأل المعلم ذو وجه الطفولي.
هذه المرة لقد قفز إلياس بالفعل، فلقد تأثر بالفيلم كثيراً.
يتبع
جميع الحقوق مسجلة

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS
Read Comments