الجزء الثاني (3)..

(3)..

ابتلع ليث قطعة من قطع اللحم الدائرية الشكل، و هو يقرأ اللافتة التي تصف ما يأكله بالضبط باللغة الانجليزية: " قطع من لحم مُتبلة ببهارات و ليمون الحامض، تجمعها عصا رفيع و تشوى على فحم هادئ " فهذي اللافتة خصصت للسياح فقط! و تناول ليث قطعة أخرى و قال للبائع محاولا أن يهضم قطع اللحم بصعوبة:" لقد .. لقد نسيت أن تكتب أنها بهارات حارة..!"
ضحك البائع العجوز قائلا:" و ما أدراني بذلك.. لقد طلبت من حفيدي أن يكتب هذه اللائحة لي."
-"ما اسمه؟! "
-" إليــاس .." قال الرجل مبتسما..
و رد ليث سائلا : " و أين ذهب الأن؟!"
-" قال انه ذاهبا لشراء بعض من الألعاب الكترونية!"
فكر ليــث في نفسه .. " الياس الغبي! يظن أنني لا أعلم عن أخباره.. فهذا العجوز هو المصدر الأول لأخبارك.."
أدار ليث رأسه و اتكأ على حائط الخشبي الصغير، و شهيته مفتوحة لابتلاع قطع اللحم الحارة. و لم يفكر أبدا أن هذه اللحظة التي يراها الآن أمامه تغير مجرى حياته من جديد. و أعاد إليه ماض الذي حاول جاهدا نسيانه. كان المشهد من الفتاة التي رآها أمامه الآن.. أنها الفتاة التي اختار الجامعة التي يدرسها الآن من أجلها، ليراها أمامه طوال الوقت. الفتاة التي وعدته ان تبقى بجانبه مهما كلفهما الأمر ، الذي بقيا معا طيلة 5 السنوات الماضية. شعر ليث بكيانه فرحة تغمره، فرحة لم يشعر بها منذ زمن طويل. منذ ذلك اليوم الذي توقف عن رؤية أجمل فتاة على الأرض كله بالنسبة له. بل منذ ذلك اليوم الذي طلبت منه ان تتوقف عن رؤيته و التوقف عن محادثته.
-" رؤى..." نطق ليث باسمها و شعر انه نفسه قد يتوقف لبرهة، فمنذ سبعة شهور لم ينطق بهذه الحروف ببن شفتيه.
رؤى كانت تمشي مع مجموعة من الفتيات و هي ترتدي أجمل و أغلى الملابس كعادتها، تميزت برشاقتها و أناقتها التي يميزها دائما بين مجموعة الفتيات. صوت ضحكاتهن العالية تسمع في وسط الازدحام. لم يستطع ليث إبعاد عينيه الليليتين منها، بقي يراقبها كعادته عن بعد حتى ابتعدت عن أنظاره.
" يبدو انك على ما يرام من دوني..." همس ليث لنفسه وحول نظره الى جهة أخرى، و التهم آخر قطعة من اللحم. و حينها لم ينتبه برؤى حين استدارت الى الخلف لتنظر نحوه راجية ان ينظر نحوها.
أدار ليــث رأسه و أوشك أن يطلب قطع أخرى من اللحم و لكنه توقف عن الكلام حين وجد زميلته التي سماها بـ : " التائهة ". استدارات آيــة لدى سماعها هذا اللقب الذي أطلق عليها حديثا بالجامعة و استعدت للاعتراض و لكن شيئا ما أوقفها حين رأت زميلها ليث أمامها.
-" أهــــــذا أنت؟!"
-" مـ .. من؟! نعم .. نعم.."
-" يا لهذا الحظ الرائع..!" قالت آيــة بسعادة
ذهب تفكير ليث الى أبعد حدود و لم يستطع إيقافه و هو يتحدث في نفسه " ما الذي تقصده بالحظ الرائع"
و أكملت آية بسؤالها :" قل لي ما اسمك ..؟ ثانية؟!"
و أكمل ليث حديثه لنفسه ، يبدو ان تفكيري لم يرحل بعيدا فهي لا تذكر اسمي. أحس ليث بأن شيئا ما بلع لسانه و لم يستطع ان ينطق اسمه. " أدعـ .. ادعــ .. ى.. اممم .. ليــ .. ليث... نعم ..ليث..."
-" نعم .. ليث.. .. لقد كنت أبحث عنك..."
-" تبحثين عني؟! "
هزت آية راسها ايجابيا و قالت: " نعم..أتذكر ذلك اليوم الذي اصطدمت بي ..؟!"
-" ما.. ماذا به؟!"
-" لقد سقطت اوراقي و اوراقك على الأرض و قد قمت بجمعها عني .. فأنا لا أجد بعضٍ من أوراقي..فأنا أشك بأنها بين ملفاتك التي كانت معك آنذاك.."
-" بين ملفاتي.. ؟! لكنني .. لست متأكدا.."
-" هلا ذهبت و بحثت عنها من فضلك؟ فأنها مهمة للغاية ، فهي لمشروع ابنة خالي أمل و عليها ان تسلم مشروعها قبل الساعة العاشرة غدا.."
-" أسف حقا لتسبب مثل هذه المشكلات.."
-" لا .. بأس.." قالت آية و كلفت نفسها حينها بابتسامة.
رفع ليث يده نحو شعره الأسود الناعم الذي يصل طوله على رقبته. و بدأ يفكر و هو يحرك شعره بحركة يده قائلا: " لكن.. هذه الملفات ليست معي الآن.."
-" أين هي..؟"
-" لقد وضعتها في ملف واجبات الحاسوب و قد سلمته بالأمس للمعلم.."
شعرت آيــة ان الزمن قد توقف بين كلمات ليث، و تغير ملامحها إلى حزن شديد و كادت تبكي. جلست على رجليها على الأرض مستسلمة.
وقف ليث في مكانه دون حراك عندما رأى آية فاقدة أمل و حاول بطريقة و أخرى أن يساعدها بأي شي كان. و وقف يفكر معها بطريقة لإرجاع هذه الأوراق المفقودة التي يظن انه من أحدى المسببات لفقدها الأوراق. حاول ان يرتب كلماته بجمله مفيدة و قال لها :"ما رأيك ان نذهب الى مكتب المعلم و نطلب منه الملف؟!"
رفعت آيــة رأسها الى الأعلى محدقة بعيني ليث الذي أدار رأسه في جهة أخرى. و فكرت لبرهة و وقفت مكانها و قالت:" هل تظن انه سيكون هناك؟"
-" لســت واثقا ، لكن لا مانع من المحاولة.." قال و محاولا ان يرسم ابتسامة على وجهها.
ابتسمت آية و قالت :" لنذهب.."
***
سلكا ليث و آيــة طرقا عدة ليصلا الى جامعتهم، ليحضرا الملف الذي به الأوراق المفقودة لمشروع أمل ابنة خال آية، و قد سلم ليث ملفه للمعلم شهاب بالأمس من دون ان ينتبه لوجود أوراق أخرى تتعلق بــآية. متأملان بوجود السيد شهاب في الجامعة في هذا الوقت المتأخر.
دخلا غرفة المعلمين من دون أي دليل يحثهما عن مكان المعلم شهاب. سأل ليث إحدى المعلمين الذي كان يتناول وجبة العشاء في مكتبه. و أخبره أن المعلم في المختبر يفحص الحواسيب المعطلة.
توجها نحو المختبر و وجدا المعلم شهاب جالسا في نهاية المختبر، يقرأ إحدى الكتب. استدار ليث إلى الخلف لينظر نحو آية :" هل ستدخلين أم سأدخل أنا..؟"
-" ادخل انت و قل له انك وضعت واجباتك لمادة الإحصاء في ملفك لواجبات الحاسوب بالخطأ.."
هز ليث رأسه ايجابيا وبلل شفتيه و من ثم مد يده ليمسك بمقبض الباب لبرهة فيما استنشق نفسا عميقا و فتح الباب، و تبعته آيــة من خلفه. رفع المعلم شهاب رأسه بنظراته الحادة نحو الطالبين اللذان يبحثان عن الملف. ارتعشا جسمهما خوفا من نظراته، فأنه معلم حاد مزاج و لا يتفاهم بسرعة و كما انه وبخهما الاثنان معا في الأسبوع الماضي.
حاولا ان يتكلفا بابتسامة و لكن المعلم سبقهم بابتسامته الخبيثة: " أنتمـــــا من جديد؟!"
تبادلا ليث و آية نظراتهم بخوف و قد تذكرا هذا الموقف الأسبوع الماضي ، حين أوقفهما المعلم في المكان نفسه وبقي يوبخهما بعذر أنهما هربا من الحصة.
حتى حبس ليث أنفاسه و نطق بأحرفه الأولى :" مرحــ .. مرحبا معلمي.. لقد.. لقد جأنا .. انا و زميلتي.. " و أشار نحو آية التي هزت رأسها ايجابيا عندما ذكرها و أكمل القول :" لأخذ ملفي .. فلقد وضعت واجبات زميلتي لمادة الحساء بالخطأ في ملفي.."
حملقت آية بعينيه و همست :" ليس الحساء بل الإحصاء.." نطر ليث بعينيها و عاد يصحح جملته من جديد.." أقصد واجبات الإحصاء..." و هو يحرك يديه مرتبكا.
وقف الأستاذ شهاب تاركا الكتاب الذي كان يقرأه على الطاولة و اقترب نحوهما خطوة بخطوة. حتى شعرا ليث و آية أن إعصار متوهج قادم ليحسم مصيرهما و ابتلعا ريقهما...
اقترب المعلم و هو يحدق بعينيهما ، ارتبكا و أخفضا رأسهما للأسفل و من ثم اقترب المعلم نحو آية و قرب وجهه الى وجهها و قال :" هل سأصدقه أم لا؟!"
شعرت آية بأن شخص ما رماها على حجر في وسط المحيط و في جو هائج وحيدة و محاطة بأسماك القرش التي تنتظرها لوجبه عشاء لذيذة و لا تستطيع طلب النجدة. حدقت في عيني الأستاذ و رفرفت بعينيها دون ان تتفوه بأي كلمة أخرى.
أظهر الأستاذ ابتسامته الخبيثة مرة أخرى و من ثم غير اتجاه عينيه نحو ليث قائلا:" و ماذا تفعل أوراق مشروع تخرج في ملف طالب ما زال في السنة التأسيسية ؟!"
حدق ليث في عيني معلمه القبطان الشرير ذو عين واحدة و رجل خشبي الذي يهدد البحار ليث بأن يرميه من السياج الخشبي إلى البحر العميق و الموج الهائج و قرش وحشي جائع ينتظر ليلتهمه.
هنيئا لك أيها القرش يبدو انك ستحصل على وجبتين شهيتين اليوم!
أنتظر أيها القرش! ما زلت تحتاج الى التوابل !


  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS
Read Comments

الجزء الثاني (2)

(2) ..
تمشي آيــة بطرقات المدينة و تتساءل نفسها عن سبب تصرف آية و لجين بغرابة. " لا بــأس.. أنا أعلم أن ليــاء و لجين صديقتين مقربتين جدا.. لهذا رفضت ليــاء دعوتي اليوم ، لأن لجين دعتها في الوقت نفسه و بالتـأكيد ستفضل لجين عني..".
أكملت آية طريقها و هي تفكر و تفكر .. " إلى متى سأظل وحيدة هكذا؟!" ..ثم نظرت نحو أحدى الكراسي التي بالحديقة. وامتلأت عينيها بالدموع عندما تذكرت علاء الذي كان يجلس معها دائما بين تلك الكراسي في الحديقة. و بقيت تتأمل به و غرقت في بحر ذكرياتها " لمــاذا فعلت بي هذا؟! لقد علمت أن هناك من أخذك عني؟! من هي يا ترى... سعيدة الحظ؟..".
***
يمر الوقت ، ليــاء و علاء لا يملان من الحديث الطويل. علاء يحكي عن دراسته و مواقفه التي حدثت معه في استراليا و تكمل لياء حديثها أيامها الأولى بالجامعــة وتحاول جاهدة أن لا تتفوه بالمواقف التي بها آية حتى لا تذكر علاء بها. بينما لجين جالسة في أحدى الطاولات بمفردها تستمتع الحديث مع خطيبها في الهاتف.
بعد ان رفعت الأطباق و أحضر لهما الكعك ، اتكأ علاء على ظهر كرسيه و من ثم قال:
-" حبيــبتي .."
-" نعم.. "أجابت ليــاء و هي ترشف جرعة من عصير الفراولة التي تحبه.
-" أنظري خلفك .. نحو ابنة عمك.. تبدو سعيدة جدا؟!" قال علاء مبتسما كعادته.
أدارت ليـاء رأسها الى الخلف لتنظر لجين المتكئة على الكرسي و تلوي شعرها بإصبعها. كأنها في عالم آخر بعيدا عن كل من حولها.
أعادت ليــاء النظر نحو علاء قائلة: " حبيبتي لجين .. أنها لا تكف عن مساعدتي لمقابلتك.."
اقترب علاء نحوها و دقق النظر في عيني لياء اللامعتين بأضواء المطعم. و أمسك بيدي ليــاء التي أحست بحرارة قبضته و دفئه.
" ليتني أستطيع أبقى هكذا.. أمسك بيديك التي تدفئاني من برودة الجو .."
ارتعش جسم لياء من كلمات علاء، و احمرت وجنتيها و حتى حولت نظرها نحو كأس العصير.
أكمل علاء قوله:-" يا لهذا الخدين المحمرتين! "
ضحكت ليــاء خجلا و ضحك علاء من خلفها. قاطعهما رنين هاتف المحمول لليـاء ، القت لياء النظر عليه و ارتجف جسمها خوفا :" أنها أمل!!"
- من الغريب ان تتصل بك؟ هيا ردي عليها..
- لا لن أفعل.. من أفضل أن أغلق النقال..
- لا .. لا تفعلي هذا .. هيا ردي عليها و كوني على ثقة
ترددت ليــاء و الهاتف النقال في يديها اللتان ترتجفان من الخوف.. ضغطت ببطء على زر الرد..
- مر.. مرحبا .. أ.. أم.. أمل..
- أين أنتي يا غبية؟!!
حدقت لياء بخوف نحو عيني علاء .. اشار لها علاء بأن تكمل الحديث..
- في .. في.. مطعم.. البيزا .. مع لجين..
- حسنا اسمعي يا غبية... الأوراق التي سلمتها لوالدي ليست مكملة.. أين أضعت بعضها؟!
- لم أضعها .. لقد .. أعطتني إياها آية كما هي..
ارتبك عـــلاء حين سمع باسم آيــة في شفتي ليــاء ، فعلاء يظن ان ليــاء لا تعلم... بحكايته مع آية..
- لكنها ليست مكملة ..! انه مشروعي الدراسي !! أين أضعتموه؟!
- اتصلي بآية و أساليها... لقد سلمت والدي الأوراق كما أعطتني إياها آية..
و أغلقت أمل السماعة في وجهها من دون أن تقول لها كلمة أخرى..
***
-" كــانت الأوراق مكملة عندما سلمتها للياء.." أجابت آية على أمل بتردد..
- هل أنت متأكدة يا آية؟ لأنها ليست مكملة .. هناك بعض من الأوراق ليست هنا"
- أحقاً؟! لكن .. تذكرت..
- تذكرتي ماذا؟
بقيت آية تفكر لبرهة. و تذكرت انها قد اصطدمت بزميلها في الصف في أسبوع الماضي و أن معظم الأوراق تناثرت على الأرض.
- آيــة .. قولي تذكرتي ماذا؟!
- أمم .. انني ... امم.. قد نسيتها بعضها مع واجباتي الجامعية في الجامعة...
- ماذا تقولين؟! لكن آيــة فتسليم مشروعي غدا الساعة العاشرة.. كما أنني أريد أن أتفقده مع والدي، فهو خبير في الأمور التجارية..
- آسفة .. أسفـــة جدا.. لكن .. سأحاول أن أجد الأوراق قبل الغد.. أعدكِ بذلك...
- حسنا يا عزيزتي .. سأعتمد عليكِ..مع السلامة..
- مع السلامة..

أغلقت آية سماعة هاتفها النقال و يداها ترتجفان خوفا. فأنها ليست على يقين عن مكان الأوراق. و عضت شفتيها الملونتان بحمرة شديدة الاحمرار التي تبرزان بشرتها البيضاء الصافية و هي تفكر عن طريقة لتجد الأوراق الضائعة. و بدأت تحدث نفسها: " في ذلك اليوم الذي أعطتني أمل مشروعها .. أذكر انني اصطدمت بزميلي في الصف.. لا أذكر اسمه .. كل ما أذكره وجهه الخجول.. و حين عاد و قال لي ان بعض من أوراقه قد اختلطت مع أوراقي.. أيعقل؟! أنه هو؟! نعم.. لقد أعطيته بعض من الأوراق متناسية ان بعضها هي أوراق مشروع أمل.."
صفعت خدها الذي تزينها شامتين بالكاد تبينان. " يا لي من بلهاء؟! كيف لي أن أجده الآن؟! "
بدأت تقدم خطواتها نحو السوق الذي أمامها و هي تفكر و رفعت رأسها لتجد أمامها " مقهى الانترنت!" و بدأت تحدث نفسها ثانية ، عذرت آية لذلك.. فأنها لا تجد من تبوح له لأفكارها.. فأن تحدث نفسها طوال الوقت فهذا أفضل عمل تقوم به. " نعم ... بريد الكتروني للجامعة .. سأرسل له رسالة الكترونية و أسأله عنه.." هرعت مسرعة نحو باب مقهى الانترنت و حين جلست أمام إحدى شاشات الحواسيب، عادت تفكر ثانية: " لما لم أفكر عن تلك النقطة؟! كيف له ان يقرأ البريد الآن.. كما انني لا أذكر اسمه .. لقد نطقت باسمه ذات مرة ..! لكن كيف لي ان أتذكره ..ذاكرتي ضعيفة جدا..! كما أنني جائعة!" ..و فكرت ان تذهب لتشتري لها بعض من الطعام.

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS
Read Comments

الجـــزء الثاني




الجـــزء الثـــــــــــاني

(1)..
ملأت تكتكات ساعة الحائط الهدوء في غرفة المعيشة، و والد ليــاء الرجل الأعمال الخبير جالسا في غرفة المعيشة منسجما بقراءة الأخبار الاقتصادية مستمتعا في الوقت نفسه بصوت حركات العقارب الساعة. لقد تعودت ليــاء برؤية والدها في الساعة الثامنة تماما هنا.. لتحضر له كوبا من الشاي. فوالدها يعتمد عليها في ذلك عن زوجته التي أصبح لا يطيق رؤيتها. تضع ليــاء الكوب على الطاولة الصغيرة بجانب الأريكة التي يجلس عليها والدها. تعض شفتها السفلى الزهرية و تبدأ بالحديث:" أبي.. لقد دعوتني لجينا للعشاء معها الساعة الثامنة و النصف..هل أستطيع الذهاب..؟" .
أخذ السيد حسام رشفه من الشاي و حملق بعيني ليــاء التي كانت تحدق على عيني والدها بتوتر. " و أين تأكلون وجبة العشاء ؟!" و هب يقرأ الجريدة التي بيده. انشغلت لثانية تفكر باسم مطعما ما. فكل ما كانت تفكر فيه طوال الوقت هو علاء. ففي الحقيقة أنها ذاهبة مع لجين لتلتقي به كما وعدته.
تمتمت ليــاء:" بيزا .. نعم .. سنذهب و نتناول البيزا .." و ضحكت ضحكة متكلفة و أعادت نظراتها على السجادة العنابية القطنية على الأرضية.
استدار السيد حسام نحو ابنته لكنه بالكاد نظر إليها، و ركز على عينيها :" يمكنك الذهب عزيزتي ، و لكن لا تتأخري بالعودة و يمكنك أن تخبري السائق بإيصالكما .."
وقفت ليــاء :" لا تقلق أبي ، و لن أتأخر بالعودة ..” و شكرت والدها و هرعت نحو غرفتها و أخذت معطفها و خرجت من المنزل و تنزل من درجات الباب الرئيسي و ابتسامتها لا تغيب عن وجهها، تغمرها فرحة كبيرة لرؤية علاء، لقد مرت سنة كاملة و لم تره.
تركض ليــاء بين طرقات الفرعية المبللة برطوبة الجو، لتصل الى منزل عمها الذي يقع بعد سكة من منزلها حتى تصل الى الباب الرئيسي لمنزل عمها و هي بالكاد تتنفس بصعوبة، و دقت جرس الباب.
فتحت لجين الباب:" و أخيرا أتيتِ، هيا لقد تأخرنا كثيــراً.."
-" نعم.."
و ركضتا مسرعتي نحو الشارع الرئيسي لتطلبان السيارة الأجرة، و سمعتا صوتا يناديهما ..
أدارت ليــاء رأسها لتبحث عن مصدر الصوت..فتفاجأت بـآية.." أيـــة.." و حملقت بعيني لجين بتوتر. ارتفعت أعصاب لجين .. " ماذا تفعلين هنا؟"
شبكت آية ذراعيها و قالت :" ألم تسرا لرؤيتي؟!" و ابتسمت لهما.
-" بلى يا حبيبتي ، لكن الى أين انت ذاهبة؟!" سألتها ليــاء..
أجابتها آية بكل سرور :" إلى حيث ذاهبتان.. هل تظنان أني لا أعلم ؟!"
شعرت ليــاء ان دقات قلبها قد توقفت، و حاولت ان تتمالك نفسها .. و جاهدت بأن تأخذ نفسا عميقا و تسألها:" تعـ .. تعلمين .. ماذا؟!"
-" لقد سمعت ما تقولانه اليوم في الجامعة.."
ثارت لجين :" قولي لنا ماذا سمعتِ؟! و متى؟!! "
حدقت أية بعيني لجين دهشة ،-" ما بكِ؟! سمعت ما اتفقتما عليه.."
صرخت لجين في وجهها :" سمعتِ ماذا؟! هيــا قولي؟!"
و أعادت آية تصرخ عليها " لا تصرخي علي أيتها البلهاء؟! هل غضبتي لأنني علمتِ أنكما ذاهبتان لتناول العشاء.."
-" ماذا .. العشاء؟! أهذا ما سمعت به آية؟!" سألتها لياء بشغف لمعرفة إجابة آية.
عبست إية و من ثم أكملت قولها :" لقد سمعت أنكما ذاهبتان لتناول العشاء مع صديقات المدرسة.."
زفرت ليــاء زفرة عميقة و اطمأن ريقها ، فمخافتها أن تعلم آية بأنهما ذاهبتان لاستقبال علاء ، عشيق آية السابق و أول حب لآية. فــليـاء تعلم مدى حب آية له و أن آية ما زالت على أمل بأن علاء سيعود إليها يوما، متجاهلة الأسباب الغامضة التي لم يلمح بها علاء لفراقه لها.
فما زالت كلمات لجين تدور في مخيلة لياء حين قالت لها ذات مرة :"أن علاء أحب آية ليقرب له فرصة من اقتراب منكِ ، فآية ليست إلا مجرد وسيلة للوصول إليك ، ،ألم تلاحظي أنه تعرف على آية بعد أن قمت برفضه للمرة الأولى ، أنه يمضي وقته فقط مع أية ، فعلاء لم يحبها قط ، و قد طلب مني ان اعرفه لآية و فعل كل هذا من أجلك فقط ، لقد كان معجبا بك لسنين عدة و أخبرني مدة حبه لكِ، فكيف لكِ ان ترفضيه ثانية؟! "
و تتذكر حزن آيــة حين فارقها، عندما جاهدت لتعرف أسباب ذلك، و أصرت على لجين أن تخبرها، لأنها هي التي عرفتها على علاء... لكن لجين لم تنطق بأي سبب و منذ ذلك اليوم فعلاقتهما لجين و آية العميقة أصبحت بالشبه من السطحية.
رغم معرفتي بفعل علاء الغير المقنع و حب أيه له فلم أستطع أن أرفضه ثانية. فقد انتابني شعور بأنه يحبني بالفعــل و كان شعوري صحيحا حين التقيت به و تحدثت معه. لقد كان يفعل كل هذا من أجلي. فأحببته كثيـرا و لم أعد أتخيل نفسي من دونه. و تجاهلت تذمر آية و شكوها عنه و في بعض الأحيان كنت أصل لحد الغيرة. كنت أكرهها حين تتحدث عن علاء، لكن لم أقدر أن ابتعد عنها فهي ستكون ابنة عمتي الغالية و رفيقتي.. رغم ان علاقتنا ليست بعميقة بتاتا!
استأجرتا سيارة أجرة ، الذي انطلق بهما نحو المطعم الذي اتفق علاء برؤية ليــاء بعد عناء طويل من إبعاد آية عنهما و حيث حاولت ليـاء جاهدة باختلاء أعذارا لتتيقن بها آيـــة. و انتهت النتيجة بغضب آية على لجين و تصديقها لليــاء، فهي تحب لياء كثيرا و تصدق كل ما تقوله لها.
خرجت لياء من سيارة أجرة أمام المطعم الفاخر، الذي يبعد كثيرا عن منطقة سكنهما. و أدارت عينيها السماويتان بحثا عن علاء حتى سمعت صوتا لطالما أحبت السماع به يناديها. أدارت رأسها نحو الصوت الذي أشعرها بأنها أسعد إنسانه على الأرض كله. اذا بعلاء يبتسم بابتسامة كبيرة و سعيدا جدا برؤية ليــاء بعد شهور عدة. مد يديه نحوها و حتى ركضت ليــاء نحوه و يضعها بين ذراعيه.

يتبع..

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS
Read Comments