الجـــزء الثاني




الجـــزء الثـــــــــــاني

(1)..
ملأت تكتكات ساعة الحائط الهدوء في غرفة المعيشة، و والد ليــاء الرجل الأعمال الخبير جالسا في غرفة المعيشة منسجما بقراءة الأخبار الاقتصادية مستمتعا في الوقت نفسه بصوت حركات العقارب الساعة. لقد تعودت ليــاء برؤية والدها في الساعة الثامنة تماما هنا.. لتحضر له كوبا من الشاي. فوالدها يعتمد عليها في ذلك عن زوجته التي أصبح لا يطيق رؤيتها. تضع ليــاء الكوب على الطاولة الصغيرة بجانب الأريكة التي يجلس عليها والدها. تعض شفتها السفلى الزهرية و تبدأ بالحديث:" أبي.. لقد دعوتني لجينا للعشاء معها الساعة الثامنة و النصف..هل أستطيع الذهاب..؟" .
أخذ السيد حسام رشفه من الشاي و حملق بعيني ليــاء التي كانت تحدق على عيني والدها بتوتر. " و أين تأكلون وجبة العشاء ؟!" و هب يقرأ الجريدة التي بيده. انشغلت لثانية تفكر باسم مطعما ما. فكل ما كانت تفكر فيه طوال الوقت هو علاء. ففي الحقيقة أنها ذاهبة مع لجين لتلتقي به كما وعدته.
تمتمت ليــاء:" بيزا .. نعم .. سنذهب و نتناول البيزا .." و ضحكت ضحكة متكلفة و أعادت نظراتها على السجادة العنابية القطنية على الأرضية.
استدار السيد حسام نحو ابنته لكنه بالكاد نظر إليها، و ركز على عينيها :" يمكنك الذهب عزيزتي ، و لكن لا تتأخري بالعودة و يمكنك أن تخبري السائق بإيصالكما .."
وقفت ليــاء :" لا تقلق أبي ، و لن أتأخر بالعودة ..” و شكرت والدها و هرعت نحو غرفتها و أخذت معطفها و خرجت من المنزل و تنزل من درجات الباب الرئيسي و ابتسامتها لا تغيب عن وجهها، تغمرها فرحة كبيرة لرؤية علاء، لقد مرت سنة كاملة و لم تره.
تركض ليــاء بين طرقات الفرعية المبللة برطوبة الجو، لتصل الى منزل عمها الذي يقع بعد سكة من منزلها حتى تصل الى الباب الرئيسي لمنزل عمها و هي بالكاد تتنفس بصعوبة، و دقت جرس الباب.
فتحت لجين الباب:" و أخيرا أتيتِ، هيا لقد تأخرنا كثيــراً.."
-" نعم.."
و ركضتا مسرعتي نحو الشارع الرئيسي لتطلبان السيارة الأجرة، و سمعتا صوتا يناديهما ..
أدارت ليــاء رأسها لتبحث عن مصدر الصوت..فتفاجأت بـآية.." أيـــة.." و حملقت بعيني لجين بتوتر. ارتفعت أعصاب لجين .. " ماذا تفعلين هنا؟"
شبكت آية ذراعيها و قالت :" ألم تسرا لرؤيتي؟!" و ابتسمت لهما.
-" بلى يا حبيبتي ، لكن الى أين انت ذاهبة؟!" سألتها ليــاء..
أجابتها آية بكل سرور :" إلى حيث ذاهبتان.. هل تظنان أني لا أعلم ؟!"
شعرت ليــاء ان دقات قلبها قد توقفت، و حاولت ان تتمالك نفسها .. و جاهدت بأن تأخذ نفسا عميقا و تسألها:" تعـ .. تعلمين .. ماذا؟!"
-" لقد سمعت ما تقولانه اليوم في الجامعة.."
ثارت لجين :" قولي لنا ماذا سمعتِ؟! و متى؟!! "
حدقت أية بعيني لجين دهشة ،-" ما بكِ؟! سمعت ما اتفقتما عليه.."
صرخت لجين في وجهها :" سمعتِ ماذا؟! هيــا قولي؟!"
و أعادت آية تصرخ عليها " لا تصرخي علي أيتها البلهاء؟! هل غضبتي لأنني علمتِ أنكما ذاهبتان لتناول العشاء.."
-" ماذا .. العشاء؟! أهذا ما سمعت به آية؟!" سألتها لياء بشغف لمعرفة إجابة آية.
عبست إية و من ثم أكملت قولها :" لقد سمعت أنكما ذاهبتان لتناول العشاء مع صديقات المدرسة.."
زفرت ليــاء زفرة عميقة و اطمأن ريقها ، فمخافتها أن تعلم آية بأنهما ذاهبتان لاستقبال علاء ، عشيق آية السابق و أول حب لآية. فــليـاء تعلم مدى حب آية له و أن آية ما زالت على أمل بأن علاء سيعود إليها يوما، متجاهلة الأسباب الغامضة التي لم يلمح بها علاء لفراقه لها.
فما زالت كلمات لجين تدور في مخيلة لياء حين قالت لها ذات مرة :"أن علاء أحب آية ليقرب له فرصة من اقتراب منكِ ، فآية ليست إلا مجرد وسيلة للوصول إليك ، ،ألم تلاحظي أنه تعرف على آية بعد أن قمت برفضه للمرة الأولى ، أنه يمضي وقته فقط مع أية ، فعلاء لم يحبها قط ، و قد طلب مني ان اعرفه لآية و فعل كل هذا من أجلك فقط ، لقد كان معجبا بك لسنين عدة و أخبرني مدة حبه لكِ، فكيف لكِ ان ترفضيه ثانية؟! "
و تتذكر حزن آيــة حين فارقها، عندما جاهدت لتعرف أسباب ذلك، و أصرت على لجين أن تخبرها، لأنها هي التي عرفتها على علاء... لكن لجين لم تنطق بأي سبب و منذ ذلك اليوم فعلاقتهما لجين و آية العميقة أصبحت بالشبه من السطحية.
رغم معرفتي بفعل علاء الغير المقنع و حب أيه له فلم أستطع أن أرفضه ثانية. فقد انتابني شعور بأنه يحبني بالفعــل و كان شعوري صحيحا حين التقيت به و تحدثت معه. لقد كان يفعل كل هذا من أجلي. فأحببته كثيـرا و لم أعد أتخيل نفسي من دونه. و تجاهلت تذمر آية و شكوها عنه و في بعض الأحيان كنت أصل لحد الغيرة. كنت أكرهها حين تتحدث عن علاء، لكن لم أقدر أن ابتعد عنها فهي ستكون ابنة عمتي الغالية و رفيقتي.. رغم ان علاقتنا ليست بعميقة بتاتا!
استأجرتا سيارة أجرة ، الذي انطلق بهما نحو المطعم الذي اتفق علاء برؤية ليــاء بعد عناء طويل من إبعاد آية عنهما و حيث حاولت ليـاء جاهدة باختلاء أعذارا لتتيقن بها آيـــة. و انتهت النتيجة بغضب آية على لجين و تصديقها لليــاء، فهي تحب لياء كثيرا و تصدق كل ما تقوله لها.
خرجت لياء من سيارة أجرة أمام المطعم الفاخر، الذي يبعد كثيرا عن منطقة سكنهما. و أدارت عينيها السماويتان بحثا عن علاء حتى سمعت صوتا لطالما أحبت السماع به يناديها. أدارت رأسها نحو الصوت الذي أشعرها بأنها أسعد إنسانه على الأرض كله. اذا بعلاء يبتسم بابتسامة كبيرة و سعيدا جدا برؤية ليــاء بعد شهور عدة. مد يديه نحوها و حتى ركضت ليــاء نحوه و يضعها بين ذراعيه.

يتبع..

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS
Read Comments

0 التعليقات: